لا قتال بين قسد ودمشق... والعامل الحاسم في أنقرة

لا قتال بين قسد ودمشق... والعامل الحاسم في أنقرة
لا قتال بين قسد ودمشق... والعامل الحاسم في أنقرة

منذ سقوط الأسد، تتكرر التكهنات حول مواجهة عسكرية وشيكة بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية. وقد غذّت منصات إعلامية وشخصيات ناشطة هذه التوقعات، مقدّمة الأمر كحقيقة لا مفر منها. لكن الوقائع الميدانية والتشابكات الإقليمية والدولية تشير إلى أنّ الحرب ليست مطروحة، على الأقل حالياً.

العلاقات بين «قسد» وهيئة تحرير الشام ليست جديدة. فقد تقاطعت مصالحهما منذ سنوات في ملفات مختلفة، أبرزها محاربة تنظيم «داعش» والتجارة النفطية عبر وسطاء. ورغم بقاء هذه العلاقات غير معلنة بسبب التباين في الموقف الأميركي المعلن من الطرفين، فإنها تعزّزت بعد وصول تحرير الشام إلى السلطة في دمشق، إذ احتاجت الأخيرة إلى موارد نفطية وضخ اقتصادي من شرق الفرات، فيما سعت «قسد» إلى تعزيز شرعيتها عبر قنوات رسمية. ومع وجود الرعاية الأميركية، استمر هذا التفاهم في التطور بصيغ مختلفة.

حتى الآن، لا توجد مؤشرات على معركة واسعة النطاق بين الطرفين. فالاشتباكات المحدودة التي قد تقع هنا أو هناك لا ترقى إلى مستوى الحرب الشاملة. أمّا غياب اتفاق رسمي أو اندماج كامل بينهما، فليس مردّه الخلافات المحلية فحسب، بل بالدرجة الأولى ارتباط الملف بالسياق الدولي والإقليمي. فالولايات المتحدة تقود التحالف الدولي ولها القول الفصل في مناطق شرقي الفرات، والمثلث الحدودي في التنف، وتركيا في الشمال الغربي، وروسيا في الساحل، وإسرائيل في الجنوب، ما يعني أن أي توافق عسكري سوري – سوري مرهون بالقوى الدولية الداعمة لكل طرف سوري، والقرار ليس في دمشق أو قامشلي.

ويبرز العامل التركي كعنصر حاسم في هذا السياق. فتركيا ما زالت تعيد ترتيب أولوياتها بين طموحات النفوذ الأوسع والاكتفاء بالحدود الشمالية. كما تواجه القيادة التركية انقسامات داخلية في مقاربة الملف الكوردي، وهو ما ينعكس مباشرة على مقاربة أنقرة للشمال السوري. وبالنظر إلى موقعها الجيوسياسي وصلاتها مع القوى الفاعلة في الملف السوري، يصعب على أي ترتيبات محلية أن تتجاوز دورها.

لذلك، يبقى مسار العلاقة بين دمشق و«قسد» مرتبطاً إلى حد كبير بالقرار التركي: فإذا اتجهت أنقرة نحو تسوية داخلية مع أكرادها، قد ينعكس ذلك إيجابًا على ترتيبات الشمال السوري. أمّا إذا استمر التردد، فإن الوضع القائم سيبقى على حاله، مع تفاهمات غير معلنة وضغوط متبادلة، من دون حرب شاملة ولا اتفاق كامل.

وفي المحصلة، ما يبدو ضجيجًا إعلاميًا حول مواجهة عسكرية وشيكة، يخفي حقيقة أكثر تعقيدًا: مصير العلاقة بين دمشق و«قسد» لا تحدده الشعارات أو الخطابات، بل يمرّ أولًا عبر حسابات أنقرة، ثم عبر ميزان القوى الدولي.