من سايكس–بيكو إلى وعد بلفور… لماذا يُثير أي تحرك بريطاني القلق؟

من سايكس–بيكو إلى وعد بلفور… لماذا يُثير أي تحرك بريطاني القلق؟
من سايكس–بيكو إلى وعد بلفور… لماذا يُثير أي تحرك بريطاني القلق؟

عندما نسمع اليوم عن تحركات بريطانية للاعتراف بدولة فلسطين أو تعليق اتفاقيات مع إسرائيل، قد يبدو الأمر للوهلة الأولى خطوة إيجابية في اتجاه تصحيح مسار تاريخي طويل من الظلم. غير أن قراءة هذه المواقف بمعزل عن الذاكرة السياسية للمنطقة تبقى ناقصة وخادعة.

فكلما تدخلت بريطانيا في شأن سياسي دولي، لا أرى فيه سوى إنذار خطر جديد. بريطانيا لم تكن يوماً وسيطاً عادلاً، بل كانت صانعة الخرائط والحدود على مقاس مصالحها منذ اتفاق سايكس–بيكو، ومهندسة واقع مأساوي لا تزال شعوب المنطقة تدفع ثمنه حتى اليوم. واليوم، حين ترفع شعارات الاعتراف أو الحلول لفلسطين، لا يمكن أن ننسى أنها نفسها كانت صاحبة وعد بلفور ومهدت الطريق للاحتلال.

هنا تطرح الإشكالية الكبرى: هل تمثل هذه الخطوات البريطانية تحوّلاً في الرؤية السياسية، أم أنها مجرد محاولة لتلميع صورة متضررة دولياً بسبب التواطؤ التاريخي مع إسرائيل؟ الإجابة ليست سهلة، لكنها تؤكد أن أي تدخل بريطاني لا بد أن يُقرأ في سياق طويل من الصفقات التي غالباً ما أُديرت على حساب شعوب المنطقة وحقوقها.

إن فلسطين اليوم تحتاج إلى مواقف حقيقية تتجاوز الرمزية ،وقف الدعم العسكري لإسرائيل، الضغط لرفع الحصار عن غزة، وضمان حقوق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. أما التحركات الشكلية فهي لا تكفي، بل قد تتحول إلى وسيلة لإعادة إنتاج الدور البريطاني القديم بوجه جديد.

المسؤولية الأخلاقية والسياسية لبريطانيا ليست مجرد اعتراف شكلي أو قرار دبلوماسي متأخر، بل تتطلب مواجهة إرثها التاريخي في خلق المأساة الفلسطينية. من سايكس–بيكو إلى وعد بلفور، بريطانيا ليست مراقباً محايداً بل شريكاً أساسياً في صناعة الواقع القائم. وإن لم تتحول خطواتها الراهنة إلى التزام عملي بإنهاء الاحتلال وضمان العدالة، فإنها لن تكون سوى فصل جديد من التلاعب بمصائر الشعوب على حساب حقوقها المشروعة.