
صديق شرنخي
سياسي وكاتب
بين الاندماج والتصعيد.. مستقبل الكورد وسوريا بعد زيارة الشرع إلى واشنطن

شهدت الساحة السورية تطوُّراً لافتاً مع زيارة الرئيس المؤقت أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة وحضوره الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث التقى بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في مشهدٍ اعتُبر مؤشراً على محاولة إعادة وصل ما انقطع بين دمشق وواشنطن. هذه الزيارة لم تكن بروتوكولية فحسب، بل ارتبطت بشكل مباشر بملفٍ معقد وحاسم: مستقبل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والدور الكوردي في سوريا الجديدة، إضافة إلى مكانة تركيا ومصالحها في هذا السياق.
الخطوة الأبرز التي سبقت الزيارة تمثّلت في الاتفاق الموقع بين الشرع وقائد قسد مظلوم عبدي في آذار الماضي، والذي نصّ على دمج هذه القوات ضمن الجيش السوري وتوحيد المؤسسات مع الإبقاء على بعض الصلاحيات المحلية، خصوصاً في مجالات التعليم والثقافة والإدارة. هذا الاتفاق مثّل فرصة تاريخية لطيّ صفحة القطيعة بين دمشق والإدارة الذاتية، لكنه في الوقت ذاته فتح الباب أمام صراع رؤى بين المطالب الكوردية بالفدرالية أو الحكم الذاتي، وموقف الشرع الرافض لأي تقسيم للصلاحيات الدستورية خارج إطار الدولة المركزية.
زيارة الشرع إلى نيويورك حملت أكثر من رسالة. فمن جهة، سعى إلى كسر العزلة الدولية وإظهار نفسه كشريك يمكن التعامل معه في إعادة بناء سوريا. ومن جهة أخرى، أراد أن يضع الملف الكوردي ضمن تفاهم دولي يضمن تنفيذ الاتفاقات دون أن تتحول إلى تهديد لوحدة البلاد. غير أن هذا الطموح يصطدم بالمعادلات الإقليمية، وأبرزها الموقف التركي.
تركيا تراقب الملف بحساسية بالغة. فأنقرة لا تزال تعتبر قسد امتداداً لحزب العمال الكوردستاني، وترفض بشدة أي صيغة فدرالية أو لامركزية واسعة. ومع ذلك، كشفت تقارير عن محادثات تركية غير رسمية مع أطراف كوردية، ما يوحي بأن أنقرة تبحث عن تسويات تقلّل التهديد على حدودها وتمنع تحول الشمال الشرقي السوري إلى كيان منفصل. هنا تبرز أهمية علاقة أردوغان الشخصية بترامب، إذ يمكن لهذه العلاقة أن تمنح تركيا نفوذاً إضافياً في صياغة ملامح الحل، وربما مقايضات تتعلق بالدور الأمني والاقتصادي.
أمام هذا المشهد، يمكن تصور ثلاثة مسارات محتملة. الأول يتمثل في اندماج تدريجي لقسد ضمن مؤسسات الدولة، مع منحها صلاحيات ثقافية وإدارية محدودة، وهو سيناريو يضمن استقراراً نسبياً ويكسب الكورد اعترافاً رسمياً محدوداً بحقوقهم دون صدام مع الجوار التركي وقد لا يكون ذلك في صالح الكورد تماما في المرحلة البعيدة .
الثاني هو سيناريو "التعايش المتوتر"، حيث يستمر الاتفاق على الورق لكن التنفيذ يتعثر، فيبقى الكورد بين مظلة الدولة المركزية ودعم أميركي أوربي إسرائيلي محدود، بينما تواصل تركيا ضغوطها العسكرية والسياسية وذلك بانتظار الترتيبات النهائية للشرق الأوسط والتي يكون للكورد فيها حظٌّ أ وفر عند انهيار مفاعيل سايكس بيكو موضوع الجدل القائم .
أما السيناريو الثالث، وهو الأخطر، فيقوم على انهيار الاتفاق وعودة التصعيد، ما قد يدفع أنقرة للتدخل المباشر، ويضع الكورد في مواجهة عزلة جديدة.
اليوم، تبدو المؤشرات أقرب إلى السيناريو الثاني، أي التعايش المتوتر، حيث لا دمشق مستعدة لتقديم تنازلات جوهرية، ولا الكورد مستعدون للتخلّي عن مكتسباتهم. غير أن مستقبل هذا التوازن الهش سيعتمد على مدى التزام واشنطن بلعب دور الضامن، وعلى قدرة تركيا والشرع على التوصل إلى صيغة أمنية وسياسية تُرضي الطرفين. وفي النهاية، يبقى الملف الكُردي مفتاحاً لمعادلة سوريا المقبلة كما أشار إليه مؤخرا توم باراك:
إما جسر نحو استقرار شامل، أو شرارة تعيد إشعال صراعات أنهكت البلاد لسنوات طويلة.