دلشاد نامق فرج
كاتب
الدستور هو السلاح الأقوی
كما نعلم أنه أُعيد بناء العراق ما بعد عام 2003 بالاتفاق بين مكوناته، وأشرفت أمريكا بنفسها على عملية إعادة بناء النظام السياسي في العراق. كان شرط الجميع هو ألا يصبح أي مكون صاحب القرار الأوحد والمطلق في العراق، وأن تُتخذ القرارات بشكل مشترك بين مكوناته وأطيافه. في العراق كان الجميع متشككاً من الآخر؛ فالمكون الشيعي كانوا يخشون من تجربة الماضي المرير، والعرب السنة كانت لديهم مخاوف على مستقبلهم، لكن الكرد وإقليم كردستان كان لديهم الخوف من الماضي المستقبل أيضا، لذا رفضوا التسليم الى المجهول. فالكرد رأوا تجارب الماضي الدموية وكانوا يعلمون أنه في بلد قائم على اساس بالقوة وليست الشرعية، من المستحيل نيل أمنهم واستقرارهم ما لم يكن لديهم ضمانة قوية.
كان الدستور العراقي الاتحادي هو تلك الضمانة التي كان يُتوقع من الجميع الالتزام بها، وأن تجعل مفهوم المواطنة حقيقة واقعية تحدد الحقوق والواجبات. لكن عدم احترام هذا الدستور سبب في وصول العراق إلى هاوية لا يشعر فيها أي من مكوناته بالاستقرار وسبب بزرع عدم الثقة بين المكونات. سرعان ما أدرك الحزب الديمقراطي الكردستاني والرئيس مسعود البارزاني مخاطر عدم الرصوغ لهذا الدستور، وذلك ظهرت بوادرها عندما بدأ "تطهير" المكون السني بذريعة الإرهاب في عام 2011 ، حيث ظهرت بوادر عدم اليقين وانحراف العملية السياسية في العراق، حتى وصل الأمر إلى تحريك القوات العسكرية ضد الكرد في كركوك باسم قوات الدجلة، ووصل الأمر الى التهميش الكامل للمواد الدستورية التي تضمن حقوق شعب كردستان والاسس الاتحادية للعراق. وفي كل محطة من هذه الانحرافات، طرح الحزب الديمقراطي الكردستاني المخاطر بصراحة و وضوح، وطالب بالعودة إلى الدستور وأراد أن الدستور يكون المعيار الأساسي للحكم القائم في العراق.
هذا الإصرار من الحزب الديمقراطي الكردستاني على اللاتزام بالدسور العودة إلىه منح شرعية كبيرة لخطاب وموقف الحزب وسياساته الوطنية، لدرجة أنه ثقل ميزان الحزب وجعل المجتمع الدولي والولايات المتحدة الامريكية ميالا اليه ومساندا لنفس الخطاب والرؤية، لأن العودة إلى الدستور ليست في مصلحة مكون واحد فقط ، بل هي في مصلحة جميع مكونات العراق، والالتزام بالدستور تجعل العراق على المستوى الدولي بلدا لا يشكل تهديداً لجيرانه ولا للأمن العالمي والاقليمي. فكما رأينا، إن سياسات تهميش الدستور أنتجت "داعش" الذي هدد الأمن العالمي، وتهميش الدستور أنتج الميليشيات التي أصبحت كابوساً يهدد أمن دول المنطقة، وتلكل الميليشات عرّضت اقتصاد العراق لمخاطر جسيمة ويكاد يُجَرَّ العراق إلى حرب خطيرة. كما أن تهميش الدستور جعل دولة العراق غير قادرة على تمثيل جميع مكونات العراق على المستوى العالمي وعلى مستوى الانتماء والمواطنة، بل يُنظر إلي الدولة العراقية على أنها ممثل لطائفة أو مكون معين والولاء فيها لخارج البلد والقدرات تهدر لصالح غيرالعراقيين.
كل هذه الحقائق تثبت أن الحزب الديمقراطي الكردستاني يمتلك في خضم التنافس السياسي العراقي سلاحاً قوياً يتمتع بشرعية داخلية ودولية، وهو الوثيقة الدولية الوحيدة المعترف بها داخيليا واقليميا ودوليا والتي يوافق عليها جميع العراقيين لتكون حكماً بينهم، ألا وهو الدستور العراقي الفيدرالي الذي يؤكد على بلد قائم على التوازن والشراكة والتوافق.