الدور الاستراتيجي التاريخي المؤثر لدولة الكويت في نصرة ودعم حركة التحرر الكوردية الحديثة والمعاصرة

الدور الاستراتيجي التاريخي المؤثر لدولة الكويت في نصرة ودعم حركة التحرر الكوردية الحديثة والمعاصرة
الدور الاستراتيجي التاريخي المؤثر لدولة الكويت في نصرة ودعم حركة التحرر الكوردية الحديثة والمعاصرة

“كان يجسد قيما إنسانية راقية، وخلال حكمه تعززت العلاقات بين الكويت و إقليم كوردستان”

من رسالة الزعيم  مسعود بارزاني، بوفاة أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح.

في أعماق تاريخ الشرق الأوسط، حيث تتشابك خيوط الجغرافيا والثقافة والنضال ضد الاستبداد، تبرز علاقة خاصة بين الكويت والكورد وكوردستان وهي علاقة تتجاوز الحدود السياسية لتصبح رابطة أخوية مبنية على الاحترام المتبادل والتضامن في وجه الطغيان. وكنت ولا زلت، أرى في هذه العلاقة مرآة للنضال الكوردي الطويل نحو الحرية، حيث كانت الكويت –تلك الدولة المهمة ذات الإرادة الكبيرة– شريكاً استراتيجياً في دعم حركة التحرر الكوردية الحديثة والمعاصرة. 

ومن وجهة نظر خاصة، لم تكن هذه النصرة مجرد مجاملات، بل كان دوراً مؤثراً شكل مسار التاريخ، منذ اللحظات الأولى للانتفاضات الكوردية الحديثة في القرن العشرين، مروراً بالغزو العراقي الغاشم الظالم للكويت عام 1990، الذي أظهر رفض الكورد الكلي لهذا الغزو الغاشم، والاحتلال والاحرام الذي وقع خلاله، وصولاً إلى الدعم الإعماريالكويتي امس واليوم في إقليم كوردستان العراق. هذا الدور الكويتي لم يكن عفوياً، بل كان نتاج رؤية استراتيجية كويتية تدرك أن  نصرة الكورد ضمن نصرة الشعب العراقي يعزز الاستقرار الإقليمي، وأن نصرة الكورد هي امتداد لنضال الكويت القديم الحديث والمعاصر ضد الطغاة.

ومنذ استقلال دولة الكويت عام 1961، تبنت قيادة الشيوخ الكرام من أسرة الخير والتسامح أسرة آل الصباح سياسة خارجية ترتكز على الدبلوماسية النشطة والتضامن العربي والإقليمي، وامتدت إلى دعم الشعوب المضطهدة خارج السياق العربي التقليدي، ونجد مثال ذلك عندما حاول عبد الكريم قاسم غزو الكويت وحاول غزو كوردستان1961، فهي عقلية دكتاتورية غازية واحدة فتصدى له الشيخ عبدالله السالم الصباح، والذي نعرفه باسم: “رائد الاستقلال” و “أبو الدستور” وتصدى له أيضاً الزعيم مصطفى البارزاني” ابو الكورد”، ولعل الشيخ جابر الأحمد الصباح، أمير الكويت من 1977 إلى 2006، الذي كان رمزاً لهذه الرؤية، حيث رأى في الكورد أقواماً يشبهون الكويتيين في صمودهم أمام الغزاة،كما أن الشيخ صباح الأحمد الصباح، الذي تولى الإمارة لاحقاً، عزز هذه الروابط من خلال لقاءاته مع قادة الكورد، قبل وبعد مشيخته وامارته، مما يعكس حباً متبادلاً بين الشعبين.والكورد، الذين يشكلون أكبر أمة بدون دولة في العالم، ينظرون إلى الكويت واهلها وشيوخها حليفا تاريخيا، ويرى الكويتيون في الكورد شعباً يمثل قيماً مشتركة من الحرية والكرامة. لقد تصدو سويا الكويتيين والأكراد للطغاة منذ عبد الكريم قاسم الى صدام حسين. لذلك دعمت الكويت علنا وظاهرا وباطنا حركة التحرر الكوردية الحديثة والمعاصرة لتصل إلى الدعم الإعماري المعاصر الذي تراه كوردستان اليوم واشاد به الزعيم مسعود بارزاني ويعزز عمله اليوم السيد نيجيرفان بارزاني الذي قال عن مشاركة الكورد للكويتيين عند وفاة الشيخ نواف الاحمد الجابر الصباح:”نحن في إقليم كوردستان العراق نشارككم في دولة الكويت الشقيقة أحزانكم ومصابكم الأليم في هذا الوقت العصيب”.فالمشاركة بالألم مع الكويت جزء من وفاء الكورد للكويت التي نسميها منظور الاستراتيجية الكوردية: “دولة الشراكة مع الكورد في عمق الكورد الخليجي”.

وتعود جذور الدعم الكويتي للحركة الكوردية إلى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وان كانت ترجع الى اقدم من ذلك، ولكن في التاريخ الحديث وعندما كانت الكويت تتعامل مع التحديات الإقليمية الناتجة عن صعود الأنظمة المختلفة في بغداد منذ بداية القرن الماضي. عانت الكويت من تهديدات عبد الكريم قاسم كما عانا الكورد الذين انتفضوا عليه في ثورة ايلول1961م، وفي عام 1961، بعد استقلال الكويت، أعلن عبد الكريم قاسم، مطالبته بالكويت كجزء من العراق، مما دفع دولة الكويت إلى طلب دعم من جامعة الدول العربية والأمم المتحدة وهذا التهديد جعل المشايخ الكرام من قادة الكويت يدركون خطورة نظام بغداد، الذي كان يقمع الكورد بوحشية مقطوع النظير،  حينها أمرأمير الكويت آنذاك الشيخ عبدالله السالم الصباح بتقديم مساعدات إنسانية للاجئين الكورد الذين فروا من حملة الإبادة العراقية في مطلع الستينيات، مستنداً إلى تقارير استخباراتية كويتية تكشف عن آلاف القتلى والنازحين في كوردستان العراق.

عندما تصدى مصطفى البارزاني لعبد الكريم قاسم.

في السبعينيات، خلال ثورة الزعيم مصطفى البارزاني عام 1961-1975، التي سعى فيها الكورد إلى الحكم الذاتي، قدمت الكويت بجانب الدعم السياسي دعماً مالياً كبيراً للأكراد عبر قنوات متعددة، وفقاً لشهادات من قادة الحركة الكوردية، فتلقى الحزب الديمقراطي الكوردستاني (KDP) مساعدات مالية بلغت مئات الآلاف من الدولارات، ساعدت في شراء الاحتياجات اللازمة من مأكل وملبس ومتطلباتطبية، بل ان هذا الدعم لم يكن اقتصادياً فحسب، بل كان إنسانياً واستراتيجيا. ومن الناحية الاقتصادية، بدأت الكويت في السبعينيات بتشجيع الاستثمارات في المناطق الكوردية، خاصة في مجال النفط فشركات كويتية مثل “الكويت للاستثمار النفطي” شاركت في مشاريع استكشافية في شمال العراق، مما أدى إلى نقل تكنولوجيا وخبرات اقتصادية إلى الكورد، ساعدتهم في بناء قاعدة اقتصادية مستقلة جزئياً عن بغداد، هذه الروابط أثمرت عن حب متبادل فالكورد في بعض أغانيهم الشعبية ورواياتهم الشفوية، يصفون الكويتيين بـ”الأصدقاء الأوفياء”، بالمقابل يرى الكويتيون في الكورد رموزاً للصمود، ضد الدكتاتورية.

ويُعد غزو العراق للكويت في 2 أغسطس 1990 نقطة تحول مصيرية في العلاقات الكويتية-الكوردية، حيث أظهر الكورد موقفاً يعكس عمق الاحترام المتبادل. فبينما كانت قوات صدام حسين تغزو الكويت، أعلن قادة الكورد في إقليم كوردستان رفضهم الصريح لهذا الغزو، معتبرين إياه اعتداءً على شعب أخوي مسالم. والسيد مسعود البارزاني، في بيان له،  وصف الغزو بأنه “خيانة للأخوة العربية”، مشدداً على أن الكورد لن يقفوا مع اي غزو ضد الكويت، التي كانت قد قدمت لهم الملاذ الآمن والدعم المالي. هذا الموقف لم يكن نظريا فقط بل عمليا فقد منعت قوات البيشمركة، أي تعاون مع القوات العراقية، بل أغلقت الحدود أمام أي دعم لوجستي، مما أثار غضب بغداد وأدى إلى حملات قمع داخلية ضد الكورد بلغت ذروتها بعد هزيمة العراق1991 ومحاولته غزو كوردستان تعويضا عن اخراجه من دولة الكويت.

ومن الجانب الكويتي، رغم الألم الذي عانوه من الغزو، أصر الشيخ جابر الأحمد الصباح على عدم الخلط بين الشعب العراقي والكوردي والنظام البعثي، ومد يد العون إلى الكورد كأولى الجهود الإنسانية بعد التحرير. في شباط 1991، بعد طرد القوات العراقية من الكويت، اذ أعلن الشيخ جابر الأحمدعن حملة مساعدات إنسانية للاجئين الكورد الذين فروا من حملة الإبادة العراقية بعد الانتفاضة الكوردية1991. ووفقاً لتقارير الهلال الأحمر الكويتي، تم توزيع آلاف الاطنان من الغذاء والدواء على مئات الآلاف من الكورد في تركيا وإيران، وكانت هذه المساعدات الأولى من نوعها من دولة خليجية. هذا التضامن أثار إعجاب الكورد، الذين نظموا مظاهرات في أربيل وسليمانية تحت شعار “الكويت في قلوبنا”، معبرين عن رفضهم للغزو ودعمهم لتحرير الكويت.

وسياسياً، استخدمت الكويت نفوذها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لفرض منطقة حظر جوي فوق كوردستان عام 1991، مما حمى الكورد من هجمات صدام الجوية. والشيخ صباح الأحمد، وزير الخارجية آنذاك، قاد وفوداً إلى الأمم المتحدة للدفاع عن حقوق الكورد، مشدداً في خطاباته على أن: “الكويت تعرف معنى الغزو، وستدعم أي شعب يواجه”. 

هذا الدعم لم يكن خالياً من المخاطر؛ فقد أدى إلى توترات مع بعض الدول العربية، لكنه عزز الروابط الشعبية، والكويتيون في رواياتهم الشخصية، يصفون الكورد بـ”الأشقاء الذين وقفوا معنا في أحنك اللحظات”، ويرى الكورد في الكويت نموذجاً للدولة التي تحول النضال إلى قوة وفق وصف السيد نيجيرفان بارزاني للكويت والكويتيين.

بعد التحرير، استثمرت الكويت في إعادة إعمار كوردستان ، حيث قدمت قروضاً بلغت ملايين الدولارات لإعادة بناء القرى المدمرة، مما مهد للروابط الاقتصادية اللاحقة، هذه الفترة شهدت أيضاً تبادلاً ثقافياً، مع زيارات كويتية إلى أربيل للاحتفاء، مما غرس حباً متبادلاً يتجاوز الازمات والصراعات.

وفي العقود اللاحقة، تحول الدعم الكويتي إلى شراكة سياسية ودبلوماسية عميقة، حيث لعب شيوخ وأمراء الكويت دوراً مباشراً في تعزيز الحركة الكوردية فالشيخ جابر الأحمد الصباح من قبل كان احد أول من أقام لقاءات رسمية مع الزعيم مسعود  البارزاني في الثمانينيات، حيث وعد في اجتماع اواخر الثمانينات بتقديم دعم مالي لـKDP لمواجهة حملة الأنفال العراقية، هذا الدعم، الذي بلغ ملايين الدولارات، ساعد في تمويل شبكات المقاومة الكوردية، وفقاً لشهادات من الزعيم السيد مسعود البارزاني، الذي وصف الشيخ جابر بانه رحمه الله تعالى: “الصديق الحقيقي للكورد”.

مع تولي الشيخ صباح الأحمد الإمارة عام 2006، تعززت الروابط. ففي عام 2013، استقبل الشيخ صباح رحمه الله تعالى، الزعيم مسعود البارزاني في الكويت، في لقاء وُصف بأنه “تاريخي”، حيث أكد البارزاني شكر الكورد للكويت على دعمها لحركة التحرر الكوردية القديم الحديث، وهذا اللقاء أسفر عن اتفاقيات لفتح قنصلية كويتية في أربيل عام 2015، مما أصبح مركزاً للتنسيق السياسي. 

والشيخ نواف الأحمد الصباح، الذي تولى الإمارة عام 2020، استمر في هذا النهج، حيث التقى رئيس إقليم كوردستان نچيرڤان البارزاني في أكتوبر 2020، مؤكداً “الصداقة الأخوية” ودعم الكويت للوحدة الكوردية داخل إطار فيدرالي عراقي. واليوم الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح -احد اعمدة دعم الكويت كأسلافه من الشيوخ رحمهم الله تعالى- كان ولا يزال ، مستمر في هذا الدور، كما يتضح من اجتماعاته مع القيادات الكوردية اذ طالما يؤكد: “التعاون الاقتصادي بين الكويت والعراق عموما والكورد خصوصا لتعزيز الاستقرار”. هذا الدعم السياسي أثار إعجاب الكورد، الذين يرون في أسرة آل الصباح رموزاً لمشيخة الحق ونصرة المظلوم.

أن العلاقة الكويتية-الكوردية ليست تاريخية او اجتماعية او سياسية فحسب، بل اقتصادية عميقة الجذور، ففي السنوات الأخيرة، تعززت الروابط من خلال مؤتمر إعادة إعمار العراق في الكويت عام 2018، حيث تعهدت الكويت بـ500 مليون دولار لمشاريع في كوردستان، بما في ذلك بناء 500 وحدة سكنية ،هذا الدعم ساعد في إعادة إعمار المناطق المتضررة من داعش، وأدى إلى نمو تجاري بلغ 1.5 مليار دولار سنوياً بين الإقليم والكويت، واقتصادياً، يرى الكورد في هذه الاستثمارات دليلاً على الحب الكويتي الحقيقي، الذين يفتخرون بمساهمتهم في “بناء أمة صديقة”.

اليوم، أصبحت الكويت “مركزاً إنسانياً” معترفاً به من الأمم المتحدة منذ 2014، تبرعت الكويت بناء كلية العلوم الإسلامية في أربيل عام 2022. والهلال الأحمر الكويتي بنى آلاف الوحدات السكنية، وساهم في حملات مكافحة الإرهاب، مما يعكس التزاماً بـ”الأخوة الإنسانية”، هذا الدعم أدى إلى حب متبادل عميق؛ فالكورد يحتفلون بعيد التحرير الكويتي في أربيل، كل عام. ومن ثم، أرى في هذا التعاون مستقبلاً مشرقاً، حيث يصبح الإقليم نموذجاً للتنمية المستدامة بفضل الشراكة “الكويتية” لتصبح الكويت جبلا من جبال كوردستان، وشعبا شقيقا للكورد من قبل والان ومن بعد كما يراها نيجيرفان بارزاني.

سوف يظل الدور الكويتي في نصرة الكورد قديما وحديثا ودعمها السري والعلني لحركة التحرر الكوردية الحديثة والمعاصرة شاهداً على قوة التضامن الإنساني، لقد بنت الكويت جبلا لها في جبال كوردستان، يعكس حباً متبادلاً بين شعبين يتقاسمان النضال. أن هذه الصداقة القديمة الجديدة، ستكون أساساً لسلام إقليمي، تعمل الكويت ممثلة بأميرها الشيخ مشعل الأحمد الصباح على تعزيزها ويعمل السيد نيجيرفان بارزاني بموازاة ذلك لتحقيق الاخاء الكويتي الكوردي المشترك. 

اليوم كما الامس وغدا وبعد غد، الكويت ليست مجرد حليف، بل مركز استراتيجي لدعم الكورد كما يصفها السيد نيجيرفان بارزاني مرارا وتكرارا، الذي عبر برسالته عن أمله في :”استمرار التطور والرفاهية لشعب ودولة الكويت في ظل قيادة سموه”.

وفي الختام، هذا ما أحببت أن أوضحه عن شعبي الكوردي الآبي المناضل وعند قيادته كيف ينظرون للكويت ودولتهم وشيوخهم وشعبهم. ودمتم ودام شعب الكويت الوفي وشيوخه الكرام.