دروس من أستراليا: إنجازات وبرامج مسرور بارزاني وحدها تحدد المستقبل بوجه الفشل والفساد
المحور الأول: ديمقراطية التنوع.. المقارنة بين المشهد الأسترالي والمشهد العراقي-الكوردستاني
تتشابه أستراليا والعراق وإقليم كوردستان في جوهرها الإنساني؛ فجميعها تمثل بوتقة تنصهر فيها التنوعات العرقية والدينية والثقافية. فكما تستوعب أستراليا عشرات الجنسيات والأديان، يتمتع إقليم كوردستان، لا سيما مدينتي أربيل ودهوك، بتنوع ديموغرافي فريد يضم قوميات وأدياناً ولغات متعددة، مما يخلق نسيجاً اجتماعياً غنياً. ورغم هذا التشابه في التنوع، تبرز فجوة واسعة في ممارسة الديمقراطية. فبينما يتبنى الناخب الأسترالي أسلوب التصويت الواعي المرتكز على البرامج، لا يزال الكثير من الناخبين في العراق وإقليم كوردستان مرتهنين لولاءات ما قبل الدولة.
1.1 الوعي الانتخابي الأسترالي: من الولاء القبلي إلى قوة البرنامج
تتميز أستراليا بنظامها الإلزامي والتصويت التفضيلي (Preferential Voting)، وهو نظام يفرض على الناخب ترتيب جميع المرشحين حسب الأفضلية. هذا النظام المعقد لكن الفعّال يضع مسؤولية جمّة على عاتق الناخب، ويجبر الأحزاب على التنافس على الأصوات الثانية والثالثة من خلال تقديم برامج واسعة وجذَّابة.
تأثير التصويت التفضيلي: يمنح هذا النظام الناخب قوة تفاوضية حقيقية، حيث تصبح الأصوات التفضيلية حاسمة. وهذا ما يدفع الأحزاب إلى التخلي عن الولاءات الضيقة والتركيز على الجدوى الاقتصادية والحلول الواقعية للمشاكل المعيشية.
تصويت المصلحة المعيشية: تثبت التحليلات أن قرار الناخب الأسترالي يُتخذ استناداً إلى المصلحة الاقتصادية المباشرة ("يُصوِّت بناءً على جيبه"). وتتصدر قضايا أزمة السكن المتفاقمة، وتكاليف المعيشة المرتفعة، وإصلاح نظام الرعاية الصحية، وسياسات التغير المناخي قراراته الانتخابية.
هذه المقالة تدعو إلى التحول نحو نموذج التصويت الواعي، حيث يكون البرنامج الانتخابي هو المعيار الأوّل للحكم والانتخاب.
المحور الثاني: التحدي العراقي-الكوردستاني.. بين نظام المحاصصة ونجاح نموذج الإنجاز
في المقابل، يواجه المشهد السياسي في العراق وإقليم كوردستان تحديات بنيوية تعيق التنمية وتكرس الفساد.
2.1 نظام المحاصصة وتدمير ثقافة التصويت البرامجي
يحكم العراق نظام "المحاصصة" الهوياتي، الذي تحوّل من آلية لتقاسم السلطة إلى مَرتع للفساد والمحسوبية وشبكات الولاء. هذا النظام يسيطر على مفاصل الدولة، ويحول الوزارات والهيئات إلى "إقطاعيات حزبية"، تُستخدم مواردها لشراء الذمم وتهميش المعارضين، مما يدمر ثقة المواطن في مؤسسات الدولة ويسارع بالتدهور الخدمي.
دور المال السياسي والإعلام الموجه: تستخدم الأحزاب التي تعتمد على الولاءات المال السياسي وشبكات إعلامية ضخمة وموجهة لتبرير فشلها وصرف انتباه الناخب عن غياب البرامج الانتخابية الرصينة والرؤية المستقبلية. إن هدف هذه الكيانات يقتصر على حصد الأصوات لضمان البقاء في السلطة واستمرار النهب والفساد دون تقديم خدمة حقيقية.
2.2 نموذج الإدارة التنموية والخدماتية في كوردستان
على النقيض من هذه التحديات، يبرز نموذج إداري في إقليم كوردستان يركز على التخطيط الاستراتيجي والبرنامج الخدمي الواضح. فقد نجح الحزب الديمقراطي الكوردستاني، بقيادة فخامة الرئيس مسعود البارزاني، وتنفيذًا لبرامج حكومة إقليم كوردستان بقيادة دولة رئيس الوزراء مسرور البارزاني، في إدارة الحكم بإتقان، محققاً إنجازات هائلة عجزت الحكومة الاتحادية في بغداد عن تحقيقها على مدى أكثر من ثلاثة عقود. وقد تحقق هذا الإنجاز رغم تحديات جسيمة، بدءاً من الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي وصولاً إلى أزمة الموازنة المستمرة ومحاولات فرض الحصار الاقتصادي الظالم على الإقليم.
أبرز الإنجازات المرتكزة على البرنامج:
البنية التحتية والخدمات: تحقيق قفزات نوعية في البنية التحتية، أبرزها تطوير شبكات المياه والكهرباء وصولاً إلى توفير الخدمة لمدة 24 ساعة متواصلة في العديد من المناطق عبر مشروع "روناكي" للطاقة الذي يغطي حالياً قرابة أربعة ملايين مواطن، مع التزام بتوسعته ليشمل جميع المنازل والأعمال بحلول نهاية 2026. كما تم إنشاء مئات المؤسسات التعليمية والمستشفيات الحديثة، وبناء شبكة واسعة من الطرق والجسور والسدود التي سهلت حياة المواطنين، مثل افتتاح الطريق الاستراتيجي المزدوج في حاجي عمران، ومشروع "مسار الحياة" الترفيهي في أربيل، بالإضافة إلى تشييد سد دوين لتعزيز أمن المياه.
التنمية الاقتصادية الشاملة: تحت قيادة رئيس الوزراء مسرور البارزاني، شهد الإقليم تنفيذ إصلاحات اقتصادية جذرية تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، مع التركيز على تعزيز القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الدولية. في مجال الطاقة، تم استئناف تصدير النفط عبر خط أنابيب العراق-تركيا بعد توقف دام عامين، مما يعزز الاستقرار المالي للإقليم، بالإضافة إلى توقيع صفقات طاقة مع شركات أمريكية بقيمة تصل إلى 110 مليار دولار، والتي تعتبر دافعاً رئيسياً للنمو الاقتصادي. أما في الزراعة، فقد تم تطوير القطاع بشكل لافت من خلال مبادرات تدعم المنتج المحلي، بما في ذلك مشاريع بيئية مستدامة تهدف إلى تعزيز الإنتاج الزراعي وتحسين الأمن الغذائي، مما ساهم في تنويع الاقتصاد وخلق 45 ألف فرصة عمل جديدة. كذلك، شهدت الخدمات الرقمية تحولاً كبيراً من خلال برامج الرقمنة الحكومية، مثل تطوير أنظمة تكنولوجيا المعلومات التي تسهل الخدمات العامة، وجذب وفود تجارية أمريكية لاستكشاف فرص التعاون في التحول الرقمي، بما في ذلك تطبيقات للدفع الإلكتروني وإدارة الرواتب الرقمية لـ 1.2 مليون موظف حكومي، مما يعزز الشفافية والكفاءة. أما الإصلاحات المصرفية، فقد أدت إلى توسع الخدمات المصرفية بخمسة أضعاف في غضون 10 أشهر فقط، مما أعاد بناء الثقة في النظام المالي وجذب الاستثمارات الأجنبية، خاصة من الولايات المتحدة، من خلال تحديث النظام المصرفي وتسهيل العمليات المالية. هذه الإصلاحات ليست محلية فحسب، بل تساهم في استقرار العراق والمنطقة ككل، مع شراكة قوية مع الولايات المتحدة.
جذب الاستثمار العالمي: أصبحت الاستثمارات الاقتصادية والعالمية تتجه بثقة إلى كوردستان، نظراً للبيئة الآمنة، والقوانين المحفزة، والإدارة الشفافة للاستثمار. هذا جعل الإقليم بوابة العراق للاستثمار الدولي، إضافة إلى بناء علاقات سياسية واقتصادية متينة مع دول العالم.
الأمن والاستقرار الاجتماعي: تعزيز الأمن القومي والحفاظ على التعايش السلمي بين جميع المكونات، وتوفير نظام الضمان الاجتماعي الذي يحمي الفئات الضعيفة، ما يعكس رؤية شاملة لبناء الدولة والمجتمع. كما أكد رئيس الوزراء على دعم قوات البيشمركة كحامية للإنجازات الوطنية.
المحور الثالث: الخلاصة ودليل عملي للناخب الواعي
إن المقارنة بين النموذجين تؤكد أن البرنامج هو الفيصل الحقيقي في بناء الدولة.
فبينما يرتكز نموذج المواطن الأسترالي الواعي في تصويته على المصلحة المعيشية والاقتصادية، وجودة الخدمات، والخطط المستقبلية المفصلة، فإن هذا يؤدي في النهاية إلى تداول سلمي للسلطة، واستقرار، ونمو وتطور اقتصادي مستدام. على النقيض تماماً، يظل الناخب في الواقع العراقي مُستَقطَباً على أساس الهوية الطائفية/العرقية، أو الولاءات الشخصية/الحزبية، والوعود غير القابلة للتحقق، مما يؤدي إلى إعادة إنتاج الفساد، والتدهور الخدماتي، وغياب الاستقرار المزمن. إن صوت الناخب العراقي والكوردستاني يجب أن يتحرر من الولاءات ليصبح قوياً كالنموذج الأسترالي.
دليل عملي للناخب الواعي:
اطلب البرنامج واقرأه بتمحيص: لا تصوت لشعار عاطفي، بل لبرنامج انتخابي مكتوب ومفصل.
قارن الوعود بالإنجازات وسجل الحكم: قارن الوعود بالإنجازات الملموسة على أرض الواقع (مثلما حدث في إقليم كوردستان) وكن حذراً من الوعود البراقة التي لا سند لها في سجل الحكم.
تجاوز الخطاب الهوياتي المقسّم: ارفض أي خطاب يهدف إلى استفزاز مشاعرك الدينية أو القومية لصرف انتباهك عن القضايا الحقيقية المتمثلة في الخدمات والتنمية والفرص الاقتصادية.
صوت للمستقبل، وليس للماضي: يجب أن يكون اختيارك من أجل بناء دولة مستقرة ومزدهرة لأولادك وأحفادك.
خاتمة: صوتك هو هويتك الجديدة وبوابة التغيير
التحول إلى النموذج الأسترالي في التصويت ليس ترفاً فكرياً، بل هو ضرورة قصوى للخروج من الدوامة التي أنهكت البلاد. حين يتحول الناخب العراقي والكوردستاني من كونه مجرد رقم في معادلات الكتل إلى طرف فاعل ومحاسب يقرأ ويحلل ويقارن، فإنه لا يختار ممثليه فقط، بل يشارك بشكل مباشر في صياغة الهوية الجديدة للبلاد: هوية المواطنة المتساوية، والدولة المدنية القادرة على توفير حياة كريمة وآمنة لجميع أبنائها.
اطرح على نفسك السؤال الأخير قبل أن تضع علامة القلم:
هل تريد كهرباء 24 ساعة، مستشفى حديث، راتب في موعده، طريق آمن؟
صوّت لصالح الحزب الديمقراطي الكوردستاني.
أم تريد فيديو انتخابي جديد، ميكروفونات، ضجيج وزعيق يختفي بعد 4 سنوات؟
صوّت لغيره… واستعد لدورة جديدة من الظلام.
صوتك ليس ورقة… صوتك مفتاح النور.