د. سامان سوراني
أكاديمي كوردي
قانون سانت ليغو وتحديات تمثيل الفوز الكبير للحزب الديمقراطي الكوردستاني
مرت الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العراق وإقليم كوردستان بتحديات غير مسبوقة على صعيد الشفافية والعدالة الانتخابية، وظهرت قضية قانون سانت‑ليغو كإحدى النقاط الأكثر إثارة للجدل. فبينما حقق الحزب الديمقراطي الكوردستاني بقيادة الرئیس مسعود بارزاني إنجازاً كبيراً بحصوله على أكثر من مليون ومئة ألف صوت في الانتخابات، إلا أن ذلك لم يُترجم إلى تمثيل عادل في البرلمان. إذ يظهر القانون الحالي بما لا يدع مجالاً للشك، كيف يُستغل التوزيع الغريب للمقاعد لتحقيق نتائج لا تعكس الواقع الانتخابي أو إرادة الناخبين.
يُعرف قانون سانت‑ليغو بآليته الرياضية التي تعتمد على تقسيم الأصوات على مقاعد البرلمان باستخدام قواسم ثابتة لتحديد توزيع المقاعد.
وفي العراق، يستخدم هذا القانون بشكل معدّل مع قاسم 1.7، وهو ما أدى إلى تهميش الحزب الديمقراطي الكوردستاني رغم حصوله على قاعدة جماهيرية ضخمة. فبحسب الأرقام الرسمية، حصل الحزب على أكثر من 1,100,000 صوت في الانتخابات الأخيرة، ولكن النتيجة كانت حصوله على مایقارب الثلاثین مقعد وهو أقل بكثير مما يستحقه وفقاً لهذا الرقم الضخم و مقارنة بما حصل علیه اطراف سياسية عراقية، کائتلاف محمد السوداني للاعمار والتنمية.
هذا التوزيع غير العادل في المقاعد بين الأحزاب الكبرى والصغرى لا يُعد مشكلة تقنية فحسب، بل هو انعكاس لخلل سياسي قد يؤثر على التوازن داخل النظام السياسي العراقي بشكل عام، خاصة في ظل العلاقة الحساسة بين بغداد وإقليم كوردستان. فالحزب الديمقراطي الكوردستاني يسعى باستمرار إلى تعزيز شراكته مع القوى السياسية العراقية، إلا أن النظام الانتخابي الحالي يُعرقل تلك المساعي.
وعلى الرغم من العوائق الكبيرة التي يفرضها قانون سانت‑ليغو، إلا أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني ظل حريصًا على أن تكون مشاركته في الحكم في بغداد قائمة على أسس الشراكة الحقيقية والتوازن والتوافق. وقد أكد الحزب مراراً على أن التوازن والتوافق بين مختلف القوى السياسية العراقية هو الأساس لبناء دولة ديمقراطية قائمة على حقوق الجميع.
فالشراكة، بالنسبة للحزب الدیمقراطي الکوردستاني، لا تعني فقط الحصول على حصص من السلطة، بل ضمان تمثيل حقيقي للمكون الكوردستاني في القرار السياسي العراقي، سواء في الحكومة أو في البرلمان. لذلك، كانت المطالب المستمرة للحزب تتمثل في ضرورة تغيير القانون الانتخابي بما يضمن تمثيلاً عادلاً ، بالإضافة إلى إنشاء المجلس الاتحادي، الذي من شأنه ضمان مشاركة جميع المكونات في اتخاذ القرارات الحيوية التي تخص العراق.
إن أحد المطالب الرئيسية التي تقدم بها الحزب الديمقراطي الكوردستاني في إطار سعيه لتعزيز الشراكة والتوازن والتوافق في الحكم، هو إنشاء المجلس الاتحادي. إذ يعد هذا المجلس من المؤسسات الدستورية التي كان من المفترض أن يتم إنشاؤها وفقًا لدستور العراق لعام 2005، لكن بقيت هذه الخطوة معلقة، مما يضعف من قدرة النظام الفيدرالي في العراق ويزيد من تهميش المكونات التي لا تتمتع بتمثيل مناسب في المؤسسات السياسية.
إضافة إلى ذلك، يبقى تطبيق الدستور هو حجر الزاوية لأي مسعى حقيقي نحو تحقيق الاستقرار السياسي في العراق. فالدستور العراقي ينص على توزيع السلطة بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات، ولكن التلاعب بالقوانين الانتخابية مثل قانون سانت‑ليغو يعكس رغبة بعض القوى في تحجيم دور الأقاليم وتقليص قدرتها على التأثير الفعلي في اتخاذ القرار على مستوى العراق ككل.
إن العواقب الناتجة عن هذا الوضع الانتخابي المجحف لا تقتصر على التمثيل السياسي فقط، بل تمتد لتؤثر على الاستقرار الاجتماعي في العراق. فعندما يرى المواطن الكوردستاني أن صوته لم يُحتسب كما ينبغي، وأن القوى السياسية التي يمثلها لا تتمتع بحضور قوي في البرلمان، فإن ذلك قد يثير مشاعر الإحباط وفقدان الثقة في العملية الديمقراطية.
وبالنظر إلى العلاقات المتوترة في بعض الأحيان بين بغداد وأربيل، فإن تطبيق قانون سانت‑ليغو يزيد من تعميق الهوة بين المركز والإقليم. فبدلاً من أن يكون هذا القانون عاملاً مساعداً في تعزيز الوحدة الوطنية، أصبح وسيلة لتعميق الانقسامات وتعزيز الاحتقان السياسي.
لذلك، يصبح من الضروري على المدى القصير والبعيد، أن يتم تعديل قانون الانتخابات، بما يضمن تمثيلاً عادلاً لجميع المكونات العراقية. يجب أن يُستبدل قانون سانت‑ليغو بمعادلة أكثر شفافية، تتيح للأحزاب الكبيرة والصغيرة على حد سواء فرصة حقيقية للفوز بمقاعد تتناسب مع حجم دعمها الشعبي.
من جهة أخرى، يظل تطبيق الدستور وإنشاء المجلس الاتحادي كحلول عملية للمضي قدماً نحو بناء نظام سياسي أكثر عدالة وتوازناً. إن تغيير هذا النظام الانتخابي لا يمثل فقط خطوة نحو تمثيل عادل للإقليم الكوردستاني، بل هو ضرورة لإصلاح العملية السياسية العراقية بشكل عام.
في الختام، يبقى الحزب الديمقراطي الكوردستاني ركيزة أساسية في السياسة العراقية، ولا يمكن تجاهل قاعدة الدعم الشعبي الكبيرة التي يتمتع بها. لكن، كما أثبتت الانتخابات الأخيرة، قانون سانت‑ليغو ليس أداة للتوازن، بل أداة تُستخدم لخلق تباينات في التمثيل، وهو ما يتطلب إعادة النظر فيه بشكل عاجل. لتحقيق شراكة حقيقية وتوازن في الحكم، يجب أن تكون الإصلاحات الانتخابية جزءاً أساسياً من أي حل سياسي في العراق. إن تطبيق الدستور وإنشاء المجلس الاتحادي هما الخطوتان الأهم لضمان تمثيل عادل لجميع مكونات الشعب العراقي.
أهنئ الحزب الديمقراطي الكوردستاني وزعيم الأمة الكوردستانية، الرئيس مسعود بارزاني، على هذا الانتصار التاريخي العظيم.