ماذا بعد الانتخابات؟ متاهة الـ 165 والتوازنات المقلوبة

ماذا بعد الانتخابات؟ متاهة الـ 165 والتوازنات المقلوبة
ماذا بعد الانتخابات؟ متاهة الـ 165 والتوازنات المقلوبة

أفرزت الدورة السادسة للانتخابات البرلمانية العراقية مشهدا مربكا ومركبا. نسبة المشاركة 56%، التي كانت أعلاها في دهوك (إقليم كوردستان)، تشير إلى أن الشارع العراقي ليس في حالة مستقرة جمعت بين المقاطعة والمشاركة واللامبالاة، أو ربما اليأس المقنع، باستثناء اقليم كوردستان الذي يمتلك حسابات سياسية ووعي انتخابي أكثر وضوحا بحكم التجربة الديمقراطية التي مارسها منذ عام 1992.

المعادلة القاتلة التي تنص على ضرورة تأمين نصف زائد واحد (165 مقعداً) من اصل 329 لتشكيل الحكومة هي العائق الاكبر، هذا في حال اختيار رئيس الجمهورية فهذا المنصب هو الاخر عادة ما يتم تعينه بأغلبية الثلثين أي 220 مقعدا من أصل 329 في الجولة الأولى، وإلا فبالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين في جولة لاحقة). وبعدها، يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة "الأكثر عدداً" بتشكيل الحكومة.

المعضلة فيما افرزته صناديق الاقتراع يوم الخادي عشر من نوفمبر عام 2025. فالنتائج الاولية والتي كانت بهذا الشكل: القوائم الشيعية (187 مقعداً)، والسنية (77)، والكوردية (56) موزعة، ولا تستطيع أي قائمة بمفردها الوصول إلى هذا الرقم السحري وعبور هذه المراحل نحو الحكومة المقبلة.

العرف السائد منذ 2005 يرسخ توزيعا ثلاثيا بين المكونات في العراق الاتحادي: رئاسة الجمهورية للكورد، رئاسة البرلمان للسنة، ورئاسة الوزراء للشيعة. هذه المرة، قد تكون المعوقات أمام كل مكون هي بحد ذاتها أوراق الضغط الجديدة التي دخلت المشهد السياسي.

1. الكورد ورئاسة الجمهورية (العائق الوجودي):

المنصب رمزي، لكنه يمثل اعترافا دستوريا بالشراكة. العائق الكوردي صغير لكنه يستوجب توحيد الموقف الكوردي نفسه بين الفائز الأكبر الديمقراطي الكوردستاني، والاتحاد الوطني (الذي يحتفظ بالمنصب حاليا).

2. منصب رئاسة البرلمان محسوم للمكون السني. لكن العائق هو غياب الزعامة السنية الموحدة. الصراعات الداخلية بين القوى السنية تُحول رئاسة البرلمان إلى مقعد متحرك، وهذا يضعف موقفهم التفاوضي في توزيع الحقائب الوزارية، ما يجعلهم عرضة للاستقطاب من قبل المحور الشيعي الأقوى وهذا ما حدث رهن الحكومة الحالية.

3. العقدة المستدامة هي رئاسة الحكومة، المنصب المحتكر عند الشيعة، القوائم الشيعية مجتمعة (187 مقعداً) تضمن المنصب. لكن المتاهة الكبيرة هي ان عدم بلوغ اية قائمة من القوائم الشيعية معادلة النصف + واحد اي 165 مقعد، الى جانب مقاطعة التيار الصدري تُلقي بظلالها كـ "الظل الصامت" على المشهد، الحكومة ستُشكل بغياب أكبر قوة احتجاجية وشعبية في الشارع الشيعي. هذا يعني أن أي حكومة ستُسمى ب"حكومة الإطار التنسيقي + إئتلاف الإعمار والتنمية ستعاني من عائق شرعية الشارع. هذه الحكومة ستكون هشة وضعيفة، لكن ليست هذه هي العوائق وحدها، فثمة تحولات اقليمية لها الدور الاكبر في تشكيل الحكومة الحديدة في العراق.

إيران لم تعد إيران 2021، والافتراض بأن هذه أول حكومة تشكل بعد 2003 بوجود نفوذ إيراني ضعيف بعد أحداث إقليمية (حربها مع إسرائيل، وسقوط "الأسد" وتراجع نفوذ حزب الله وحماس وكلها اذرع ايران في المنطقة، يفتح الباب أمام "فراغ قوة" في بغداد. الفائز الأكبر ائتلاف الإعمار والتنمية برئاسة محمد شياع السوداني هو بالأصل محسوب على "الإطار التنسيقي" (الفلك الإيراني)، لكن فوزه يعطيه استقلالية أكبر ليصبح "رجل الدولة" وليس "رجل الإطار".

 اما من جهة اخرى بروز النفوذ الأمريكي مرة أخرى يتزامن مع ضعف طهران، ما يطرح سيناريوهين محتملين لدور واشنطن.

اما حكومة ارضاء الجميع او التوافق الضعيف تشبه حكومات ما بعد 2005 (نوري المالكي الأولى، عادل عبد المهدي). حيث تهدف أمريكا إلى تشكيل حكومة تشرك الجميع (الإطار، الكورد، السنة)، لكنها ستكون بالضرورة حكومة ضعيفة وهشة وغير قادرة على اتخاذ القرارات الإصلاحية، لأنها مقيدة بـ "فيتو" كل كتلة مشاركة.

 او حكومة قوة الدولة (الأغلبية المستقرة) حيث تهدف أمريكا إلى دعم السوداني لتشكيل حكومة تملك أغلبية مستقرة (165+)، حتى لو كانت بعيدة عن بعض فصائل الإطار التنسيقي الذين لديهم قوة السلاح.وهنا تراهن واشنطن على أن ضعف النفوذ الإيراني سيقلل من قوة السلاح خارج الدولة. لكن هذا السيناريو يعد مجازفة وفي خطورته بما يكفي لأنه قد يؤدي إلى صراع مسلح مع الميليشيات.

 العراق الان أمام مفترق طرق الاستمرار بنهج حكومة الضرورة وهي التوافقية حيث يتم توزيع المناصب لضمان الـ 165 مقعدا دون معارضة حقيقية، ما ينتج حكومة ضعيفة، لكنها تحافظ على السلام الهش.

 او الاتجاه نحو "حكومة القيادة بتشكيل ائتلاف قوي بين الأغلبية الشيعية (السوداني) والكتلتين الكوردية والسنية الفائزتين، مع عزل القوى المسلحة. هذا الخيار قد ينتج حكومة قوية، لكنه ينذر بتصعيد غير مسبوق في المشهد السياسي والأمني، خاصة مع وجود قوة التيار الصدري خارج المعادلة.

في ظل كل هذه السيناريوهات ثمة قاسم مشترك بينها كافة وهي الكورد، الديمقراطي الكوردستاني (الذي جاء بالمرتبة الأولى بين الأحزاب الكوردستانية) والذي سيدخل المفاوضات بقوة وقبوله بالتحالف الشيعي/السني الجديد سيحدد حجم مشاركة الكورد في الحكومة (عدد الوزارات السيادية والخدمية) فهو مفتاح الوصول إلى الـ 165 مقعدا الحاسمة.