موسم الهجرة إلى كوردستان.. كل الطرق إلى بغداد تمر من أربيل
مقدمة: تفويض مليون صوت.. شرعية تاريخية للحزب الديمقراطي الكوردستاني
يُمثِّل الإنجاز الانتخابي التاريخي للحزب الديمقراطي الكوردستاني، بحصوله على أكثر من مليون صوت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، تحولاً نوعياً في المشهد السياسي العراقي. هذا التفويض الشعبي الكبير لم يمنح الحزب قوة برلمانية فحسب، بل منحه شرعية سياسية وأخلاقية غير مسبوقة، جعلته أكبر كتلة سياسية في العراق تمثل إرادة الناخبين مباشرة.
ولتعزيز هذه الشرعية، فإن تحالف الحزب مع ممثلي الأقليات من المسيحيين والإيزيديين والتركمان والكورد الفيليين وباقي المكونات الدينية والقومية التي تعيش في ظل السلام والديمقراطية في إقليم كوردستان، يضيف بُعداً إنسانياً وحضارياً لهذه القيادة. فالحزب لم يعد ممثلاً للكورد فحسب، بل أصبح صوتاً لكل المكونات التي تبحث عن العدالة والمساواة في العراق الجديد.
الأسس الدستورية والقانونية للتفاوض
الشرعية الدستورية كأرضية للتفاوض
لا تستند مطالب الحزب الديمقراطي الكوردستاني إلى القوة البرلمانية والشرعية الانتخابية فحسب، بل إلى أسس دستورية راسخة. فالدستور العراقي لعام 2005 يُشكِّل العقد الاجتماعي الملزم لجميع الأطراف، وقد جاء نتاجاً لتوافق وطني شامل. تنص المادة (5) على أن "السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها"، بينما تؤكد المادة (14) أن "العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون".
كما أن المواد من (110) إلى (115) تنظم بشكل واضح العلاقة بين الحكومة الاتحادية والأقاليم والمحافظات، وتحدد الاختصاصات الحصرية والمشتركة. أما المادة (121) فتمنح الأقاليم صلاحيات تشريعية واسعة، بما في ذلك حق إصدار القوانين في المجالات التي لا تختص بها الحكومة الاتحادية.
الدروس المستفادة من تجربة السنوات الماضية
لقد أثبتت التجربة المريرة منذ عام 2005 أن الذهاب إلى بغداد دون ضمانات مسبقة واتفاقات واضحة كان خطأً استراتيجياً كلف شعب كوردستان والمكونات الأخرى الكثير. فالاتفاقات غير الموثقة ذهبت أدراج الرياح، والوعود الشفهية تم التنصل منها، والمكاسب المؤقتة ذابت مع تغير التحالفات السياسية. لذلك فإن النهج الجديد يقوم على مبدأ "الاتفاق الواضح والموثق والمعلن قبل أي التزام"، مع الاستفادة من الدرس القاسي الذي علمنا أن الثقة يجب أن تُبنى على أساس من الضمانات العملية وليس الكلمات المعسولة.
الرؤية الاستراتيجية الشاملة: من التكتيك إلى الإستراتيجيا
المحور الأول: المطالب الدستورية العاجلة
· تنفيذ المادة 140: اختبار الجدية العراقية
تشكل المادة (140) من الدستور العراقي أحد أهم المواد التي لم تُنفَّذ رغم مرور أكثر من ثمانية عشر عاماً على إقرار الدستور. تنص هذه المادة على "أولاً: تقوم السلطة التنفيذية باتخاذ الإجراءات اللازمة لإنهاء التطبيقات الإدارية للمناطق التي تم تغيير واقعها السكاني بشكل قسري، وإجراء الإحصاء السكاني فيها، وإجراء استفتاء فيها لتحديد إرادة مواطنيها، وذلك في مدة أقصاها الحادي والثلاثون من شهر كانون الأول سنة ألفين وسبعة. ثانياً: تترتب على نتائج الاستفتاء في المادة (أولاً) من هذه المادة حقوق والتزامات."
إن تنفيذ هذه المادة ليس مجرد واجب دستوري، بل هو قضية عدالة تاريخية واختبار حقيقي لإرادة الحكومة الاتحادية في تطبيق الدستور. إن تأجيل التنفيذ لعقود أدى إلى تفاقم الأزمات وتهديد الاستقرار، مما يجعل من تنفيذها أولوية قصوى وأساساً لأي شراكة مستقبلية.
· إقرار قانون المحكمة الاتحادية: ضمانة الحياد والاستقلالية
تعمل المحكمة الاتحادية العليا حالياً بموجب قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية، رغم أن المادة (92) من الدستور تنص على أن "تنظم بقانون يتم إقراره بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب". هذا الوضع الشاذ يفتح الباب للتساؤلات حول شرعية قرارات المحكمة وحياديتها.
إن إصدار قانون عادل للمحكمة الاتحادية يضمن تمثيلاً حقيقياً للأقاليم والمحافظات، ويصون حقوقها الدستورية، ويحمي استقلالية القضاء، يمثل ضرورة دستورية ملحة. فالمحكمة يجب أن تكون حامية للدستور وضامنة للحقوق، وليس أداة في الصراعات السياسية.
المحور الثاني: العدالة المالية والاقتصادية
· توحيد الرواتب والمعاشات: معادلة الكرامة الإنسانية والمساواة الدستورية
يكفل الدستور العراقي في المادة (14) أن "العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز"، وتؤكد المادة (16) أن "تكافؤ الفرص حق مكفول لجميع العراقيين". كما أن المادة (22) تنص على أن "العمل حق لكل عراقي قادر عليه". هذه النصوص الدستورية الواضحة تجعل من التمييز في الرواتب والمعاشات بين موظفي الإقليم ونظرائهم في المحافظات الأخرى انتهاكاً صارخاً للدستور ومبادئ العدالة الاجتماعية.
إن قرارات المحكمة الاتحادية نفسها تؤكد على مبدأ المساواة وعدم التمييز، مما يجعل من توحيد الرواتب والمعاشات ليس مجرد مطلب مالي، بل واجب دستوري وقضية كرامة إنسانية. فالموظف في أربيل أو السليمانية الذي يؤدي نفس العمل ويتحمل نفس المسؤوليات، يستحق نفس الأجر الذي يتقاضاه نظيره في بغداد أو البصرة.
· الحصة المالية العادلة: من المطالبة إلى التطبيق الفعلي
تنص المادة (112) من الدستور على أن "تحافظ الحكومة الاتحادية على وحدة العراق وسلامة أراضيه وسيادته، وتضمن التوزيع العادل للثروات الوطنية". كما أن المادة (121) تمنح الأقاليم الحق في "فرض الرسوم والضرائب". هذا الإطار الدستوري الواضح يوجب وجود آلية رقابية مستقلة ومحايدة لتوزيع الموازنة العامة بشكل عادل، مع ضمان الشفافية الكاملة في توزيع الإيرادات النفطية وغير النفطية.
إن معالجة المبالغ المتراكمة والمستحقات المتأخرة للإقليم ليست منة أو هبة، بل هي حق دستوري وواجب مالي يجب الوفاء به. فالإقليم شريك كامل في الثروة الوطنية، وأبناؤه شركاء في بناء العراق وتطويره.
· الثروات النفطية والغازية: من الصراع إلى الشراكة الإستراتيجية
تنص المادة (111) من الدستور على أن "النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات"، بينما تنص المادة (112) على أن "تتولى الحكومة الاتحادية إدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة". هذا التوازن الدستوري الدقيق بين ملكية الثروة للشعب العراقي ككل وإدارة الحكومة الاتحادية مع حكومات الأقاليم، يخلق إطاراً للشراكة وليس للهيمنة.
في ظل غياب القانون الاتحادي للنفط والغاز، يبقى قانون النفط والغاز في إقليم كوردستان سارياً ومشروعاً، استناداً إلى الصلاحيات التشريعية الممنوحة للإقليم بموجب المادة (121) من الدستور. إن المطلوب هو ليس إلغاء قانون الإقليم، بل إقرار قانون اتحادي عادل ينظم الشراكة الحقيقية في إدارة الثروات وتوزيع عوائدها، بما يخدم مصلحة جميع العراقيين.
المحور الثالث: التمثيل السياسي والدبلوماسي
· المناصب السيادية: من المشاركة الشكلية إلى الشراكة الفعلية
يكفل الدستور العراقي في ديباجته "الالتزام بالعمل على إشراك كل مكونات الشعب العراقي في مؤسسات الدولة"، كما تنص المادة (3) على أن "العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب". هذه الأسس الدستورية تجعل من حصول الكورد على المناصب السيادية ليس مجرد تقليد سياسي، بل تطبيقاً للدستور وتحقيقاً للشراكة الوطنية الحقيقية.
إن رئاسة الجمهورية، بموجب المادة (70) من الدستور، تمثل رمزاً لوحدة العراق وضماناً لالتزامه بالدستور. كما أن حصول الكورد على وزارات سيادية مثل الخارجية والمالية يُمثِّل تجسيداً عملياً للشراكة الوطنية وضمانة لوجود صوت مؤثر في صنع القرار الوطني. وكذلك التمثيل العادل في مؤسسات صنع القرار العسكرية والأمنية، التي تنص المادة (9) من الدستور على أنها "تخضع لسيطرة السلطة المدنية وتدافع عن العراق ولا تدافع عن حكومة بعينها أو طائفة أو مذهب".
· التمثيل الدبلوماسي: صورة العراق الحقيقية في المحافل الدولية
تنص المادة (78) من الدستور على أن "يقوم الوزير بأعمال وزارته اتجاه رئيس الوزراء"، وتنص المادة (80) على أن "يختص مجلس الوزراء بخطط وسياسات الدولة". هذا الإطار الدستوري يوجب أن تكون السفارات والقنصليات العراقية في الخارج انعكاساً حقيقياً لتنوع العراق وتعدديته.
إن الكورد، كشعب يشكل مكوناً أساسياً من مكونات العراق، ومثلهم باقي المكونات الأخرى، يجب أن يكون لهم تمثيل عادل ومنصف في السلك الدبلوماسي العراقي، خاصة في المناصب القيادية والسفارات المهمة. فالدبلوماسي الكوردي أو التركماني أو المسيحي أو الإيزيدي لا يمثل مكونه فحسب، بل يمثل العراق بكل تنوعه وثرائه الحضاري.
· اللغة والهوية: إنهاء التهميش الممنهج وتحقيق المساواة الدستورية
تنص المادة (4) من الدستور بوضوح على أن "اللغة العربية واللغة الكوردية هما اللغتان الرسميتان في العراق"، وتكفل الحق لكل قومية بتعليم أبنائها بلغتهم الأم. هذا النص الدستوري الواضح يوجب على جميع المؤسسات الاتحادية استخدام اللغة الكوردية كلغة رسمية في جميع المعاملات والوثائق والمراسلات.
إن تهميش اللغة الكوردية في المؤسسات الاتحادية يمثل انتهاكاً صارخاً للدستور وإهداراً لحقوق ملايين العراقيين. كما أن اعتماد اللغة الكوردية في المناهج التعليمية وفي وسائل الإعلام الرسمية يمثل واجباً دستورياً وليس منة أو هبة.
المحور الرابع: القضايا التاريخية والعادلة
· التعويضات والمستحقات: سداد الديون المتراكمة وتحقيق العدالة
تشكل جرائم حلبجة وعمليات الأنفال وصداها جروحاً غائرة في ذاكرة الشعب الكوردستاني، وتستحق عدالة حقيقية واعترافاً كاملاً. فالمادة (34) من الدستور تكفل "حق التعويض عن الأضمار التي تسببها أجهزة الدولة"، والمادة (135) تنص على "معالجة الآثار الناجمة عن الممارسات السابقة".
إن ضحايا هذه الجرائم يستحقون أكثر من مجرد تعويض مادي، بل اعترافاً بالجريمة واعتذاراً رسمياً وضمانات بعدم التكرار. كما أن إعادة إعمار القرى المدمرة وتمكين الفلاحين من العودة إلى أراضيهم يمثل واجباً أخلاقياً وقانونياً، وليس منة من أحد.
· العدالة الانتقالية: نحو مصالحة وطنية شاملة
تنص ديباجة الدستور على "العمل بجدية لإيجاد واقع جديد يسوده الأمل والتفاؤل وينهي حالة الظلم والإقصاء والتهميش"، كما تنص المادة (34) على أن "التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية محظورة". هذه الأسس الدستورية توجب معالجة جرائم الماضي بشكل جذري وشامل، بما يحقق المصالحة الوطنية الحقيقية.
إن إقرار حقوق جميع المتضررين دون تمييز، وبناء ذاكرة وطنية عادلة تتسع للجميع، يمثلان أساساً لبناء عراق جديد قائم على المساواة والعدالة والمواطنة الحقة.
الخيار الاستراتيجي: الشراكة الحقيقية أو تقرير المصير
الفيدرالية العادلة: خيار الشراكة والبناء المشترك
تمثل الفيدرالية، بموجب المادة (1) من الدستور، "نظام الدولة"، وهي ليست خياراً ثانوياً بل أساساً دستورياً لبناء العراق الجديد. إن إقامة دولة فيدرالية حقيقية تحترم فيها الصلاحيات الدستورية للأقاليم والمحافظات، وتنتهي فيها كافة محاولات تقويض النظام الفيدرالي، تمثل الخيار الأمثل لجميع العراقيين.
فالفيدرالية العادلة تمكن من بناء علاقة قائمة على الشراكة الحقيقية والاحترام المتبادل، وتحول دون عودة المركزية المقيتة التي دمرت العراق لعقود. وهي الضمانة الحقيقية لوحدة العراق وسلامته، فالاتحاد الطوعي القائم على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل هو الاتحاد الدائم، بينما الاتحاد القائم على الإكراه والهيمنة مصيره إلى زوال.
تقرير المصير: الخيار الدستوري والقانوني في ظل استمرار التهميش
يكفل ميثاق الأمم المتحدة في المادة (1) من مبادئه "حق الشعوب في تقرير مصيرها"، كما أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يؤكد هذا الحق. وعلى الصعيد الدستوري، فإن استمرار التهميش والتمييز وخرق الدستور من قبل الحكومة الاتحادية يخلق مبررات قوية لممارسة هذا الحق.
إن تقرير المصير يبقى الخيار الدستوري والقانوني الطبيعي لشعب تعرض لعقود من الظلم والتهميش، ولم يجد حتى اليوم الشراكة الحقيقية والمساواة الكاملة في وطنه. فإذا فشل خيار الشراكة في إطار العراق الموحد، فإن خيار تقرير المصير يبقى الحق الطبيعي والتاريخي والشرعي لشعب كوردستان.
آليات الضغط والتفاوض: من القوة إلى النتائج الملموسة
الوحدة الكوردية: مصدر القوة الرئيسي والضامن للنجاح
تشكل الوحدة بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والأحزاب الكوردستانية الأخرى الحاصلة على مقاعد في البرلمان، الدرع الحصين للحقوق الكوردستانية. فالتجربة أثبتت أن الوحدة الكوردية كانت دائماً مصدر قوة، بينما كان التشرذم سبباً في إضعاف الموقف التفاوضي.
إن تشكيل فريق تفاوضي موحد يمثل جميع الأطراف الكوردستانية، وإنشاء غرفة عمليات سياسية مشتركة، يمثلان الضمانة الحقيقية لنجاح أي مفاوضات مع الأطراف العراقية الأخرى. فالقوة الكوردية تكمن في وحدتها، والضعف يأتي من تشرذمها.
التحالفات الاستراتيجية: توسيع دائرة التأثير وبناء تحالفات دائمة
تمثل بناء تحالفات استراتيجية مع الكتل السنية الداعمة للفيدرالية، وتعزيز العلاقات مع الكتل الشيعية المعتدلة، وإقامة جسور مع مكونات المجتمع المدني العراقي، أدوات فعالة لتعزيز الموقف التفاوضي. فالقضية الكوردستانية ليست قضية الكورد وحدهم، بل هي قضية كل العراقيين المؤمنين بالديمقراطية والتعددية واللامركزية.
إن تحالف القوى الديمقراطية المؤمنة بالعراق الاتحادي التعددي يمكن أن يشكل أغلبية برلمانية وسياسية قادرة على إحداث تغيير حقيقي في موازين القوى وصناعة القرار.
الأدوات الدستورية: فن استخدام الآليات القانونية والبرلمانية
تمنح القوة البرلمانية للحزب الديمقراطي الكوردستاني والأحزاب الكوردستانية الأخرى، مع تحالفاتها مع ممثلي المكونات الأخرى، قدرة حقيقية على استخدام الآليات الدستورية والبرلمانية للدفاع عن الحقوق. فآلية "الثلث المعطل" في القرارات المصيرية، والحق في التشريع والرقابة، والقدرة على تأطير النقاش العام، تمثل جميعها أدوات فعالة في يد الكتلة الكوردستانية الموحدة.
إن الاستخدام الاستراتيجي لهذه الأدوات، مع الالتزام الكامل بالأطر الدستورية والقانونية، يمكن أن يحدث فرقاً حقيقياً في تحقيق المطالب الكوردستانية العادلة.
الضغط الدولي: البعد الإقليمي والدولي كرافعة تفاوضية
تمثل تعزيز علاقات إقليم كوردستان مع الدول المؤثرة إقليمياً ودولياً، واستخدام القنوات الدبلوماسية لنقل المطالب الكوردستانية، وإشراك المنظمات الدولية كشاهد على العملية التفاوضية، أبعاداً مهمة في استراتيجية التفاوض. فالدعم الدولي يمكن أن يشكل رافعة مهمة للضغط على الأطراف العراقية للالتزام بالدستور وتنفيذ الاتفاقات.
إن القضية الكوردستانية، بفضل عدالتها وشرعيتها الدستورية، تحظى بتعاطف واسع في الأوساط الدولية، وهذا التعاطف يمكن تحويله إلى دعم فعلي للضغط من أجل تحقيق مطالب عادلة.
رؤية للعلاقة المستقبلية: من الصراع إلى التعاون البناء
مصلحة العراق في قوة كوردستان واستقرارها
تشكل كوردستان المستقرة والمزدهرة عمقاً استراتيجياً لاستقرار العراق ككل. فالإقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي فعلي، ويحترم دستورياً، ويدير شؤونه بنفسه، يشكل نموذجاً للنجاح في العراق الجديد. كما أن الإقليم القوي اقتصادياً وسياسياً يساهم في بناء دولة اتحادية قوية ومستقرة، فقوة الأقاليم تعني قوة المركز، وضعفها يعني ضعفه.
إن الشراكة الحقيقية بين الإقليم والمركز، القائمة على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، تصب في مصلحة جميع العراقيين، وتخلق حالة من الربح للجميع يستفيد منها الجميع.
دور كوردستان في الاستقرار الإقليمي والتنمية الاقتصادية
يمثل إقليم كوردستان جسراً للتعاون مع دول الجوار، ونموذجاً للديمقراطية والتعددية في المنطقة، وشريكاً أساسياً في مكافحة الإرهاب والتطرف. فالتجربة الكوردستانية في بناء مؤسسات ديمقراطية، واحترام التعددية، وتحقيق تنمية اقتصادية، تشكل نموذجاً يمكن أن يحتذى به في عموم العراق والمنطقة.
إن تعزيز هذا الدور وتمكين الإقليم من الاضطلاع بمسؤولياته كاملة، يصب في مصلحة العراق والمنطقة ككل، ويخلق بيئة من الاستقرار والازدهار للجميع.
الخاتمة: لحظة الحقيقة التاريخية ومسؤولية القيادة
تمثل اللحظة الراهنة مفترق طرق تاريخي لشعب كوردستان والعراق ككل. فالقوة البرلمانية التي يتمتع بها الحزب الديمقراطي الكوردستاني، مع أكثر من مليون صوت وتفويض شعبي واضح، إلى جانب تحالفاته مع ممثلي المكونات الأخرى، تشكل رصيداً استراتيجياً لا يتكرر يومياً.
إن الخيارات واضحة وضوح الشمس: إما شراكة حقيقية تقوم على الاحترام الدستوري الكامل وتنفيذ جميع الحقوق، وإما خيار تقرير المصير الذي يبقى الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني لشعب تعرض لعقود من الظلم والتهميش.
الرسالة يجب أن تكون واضحة وموجهة لكل زائر لأربيل: "نحن هنا لا نعرض المساومة على الحقوق، بل نعرض الشراكة في بناء مستقبل أفضل للجميع. فليختر كل منا مكانه في هذه المعادلة، ونحن سنختار مكاننا بناءً على اختياراتكم."
إن المسؤولية التاريخية تقتضي من القيادة الكوردستانية أن تكون عند مستوى هذه اللحظة الفارقة، وأن تحول القوة الانتخابية إلى إنجازات استراتيجية تليق بتضحيات شعب كوردستان وتطلعاته المشروعة.
إن "موسم الهجرة إلى كوردستان" ليس مجرد عنوان براق، بل هو واقع سياسي يعكس التحول الجذري في موازين القوة. فكما تهاجر الطيور إلى حيث الدفء والغذاء، تهاجر اليوم القوى السياسية إلى حيث الشرعية والاستقرار والقدرة على صنع القرار. وكوردستان، بقيادتها الحكيمة وتفويضها الشعبي التاريخي، أصبحت محط أنظار الجميع.
أما "كل الطرق إلى بغداد تمر من أربيل" فهي ليست مجرد استعارة بل هي معادلة سياسية جديدة. فبغداد، بكل أروقتها وتحالفاتها المعقدة، لم تعد قادرة على تشكيل حكومة دون العبور من بوابة أربيل. أربيل التي تمتلك اليوم ما تفتقده بغداد: إرادة شعبية واضحة، وقيادة موحدة، ورؤية استراتيجية، وشرعية دستورية لا تقبل الجدال.
فليختاروا طريقهم...ونحن اخترنا مكاننا.