بين الخطاب والواقع… السوداني وامتحان الإنصاف مع كوردستان

قراءة في زيارة رئيس الوزراء لمنتدى الأمن والسلام 2025

بين الخطاب والواقع… السوداني وامتحان الإنصاف مع كوردستان
بين الخطاب والواقع… السوداني وامتحان الإنصاف مع كوردستان

قراءة في زيارة رئيس الوزراء لمنتدى الأمن والسلام 2025

في الجلسة الافتتاحية لمنتدى الشرق الأوسط للأمن والسلام، الذي احتضنته الجامعة الأمريكية في كوردستان، اعتلى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني المنصة ليعلن أمام الحضور رؤية تبدو في ظاهرها جامعة، تؤكد أنه لا يفرّق بين مواطني إقليم كوردستان وبقية العراقيين، وأنه ينظر إلى الجميع من موقع المسؤولية الوطنية نفسها. خطابٌ بدا وكأنه محاولة لترسيخ صورة الدولة العادلة التي تساوي بين أبناء الوطن الواحد، وتعيد الثقة إلى علاقة كثيراً ما عصفت بها الأزمات.

لكن بين ما قيل في أربيل، وما يجري على أرض الواقع، فجوة لا يمكن إنكارها. فالكورد، الذين كانوا وما زالوا شريكاً أصيلاً في بناء الدولة العراقية، لا يرون في سياسات الحكومة الحالية ما يعكس تلك المساواة التي تحدّث عنها السوداني. الرواتب في الإقليم ما تزال تُدفع بتأخير يصل إلى شهرين، رغم أن الموظف الكوردي هو جزء من المنظومة الوظيفية للدولة، وحقوقه مكفولة بالدستور. هذا الواقع المؤلم لم يعد مجرد خلل إداري، بل بات انعكاساً لنهج سياسيّ متواصل يُضعف الثقة بين الإقليم والمركز.

وكأن هناك ميزانين: واحد لبغداد والبصرة والنجف… وآخر لأربيل ودهوك والسليمانية. فالوزارة المعنية تصرّ، كما تناقلت وسائل الإعلام، على صرف رواتب المحافظات الأخرى أولاً، ثم التفكير لاحقاً بموظفي الإقليم. بينما لا يزال موظف كوردستان ينتظر راتب الشهر التاسع في الوقت الذي تُصرف فيه في بقية العراق رواتب الشهر الحادي عشر. أي مساواة يمكن الحديث عنها في ظل هذه المفارقة الصارخة؟

هنا يصبح الحديث عن “عدم التمييز” مجرد عبارة بروتوكولية لا أثر لها في الواقع. فالممارسة اليومية تكشف أن السياسة المالية تجاه الإقليم ما تزال تُستخدم كورقة ضغط، وليست جزءاً من رؤية وطنية حقيقية. بل إن بعض المتابعين يرون أن السوداني، في طريقه إلى الاستعداد لولاية ثانية، يحاول تخفيف حدّة مواقفه السابقة تجاه الإقليم، وإظهار خطاب أكثر ليونة خلال زيارته لكوردستان أملاً في كسب ودّ قيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني، لما يشكّله دعمها من ثقلٍ سياسي قد يحسم تجديد رئاسته للحكومة العراقية.

لكن هذه الرسائل الناعمة لا تكفي. فالشراكة الوطنية ليست كلمات تُقال في المنتديات، بل سياسات تُترجم إلى عدالة مالية وإدارية يشعر بها المواطن في كل بيت من بيوت كوردستان. وإذا كان السوداني يريد فعلاً أن يبرهن أن كوردستان جزء رئيسي من الدولة العراقية، وأن الكورد مواطنون كاملون بحقوقهم كما هم في واجباتهم، فإن أول خطوة تبدأ من إصلاح هذا الخلل المالي المتكرر، وتثبيت مبادئ المساواة في الإجراءات قبل الخطابات.

إن كوردستان، بتاريخها ونضالها وشعبها، ليست ضيفاً على العراق ولا هامشاً في معادلة الدولة. هي شريك تأسيسي، وركن ثابت لا يمكن تجاوزه. والعدالة بين شركاء الوطن لا تُمنح، بل تُمارَس على الأرض في الرواتب، في القرارات، وفي منهج الحكم.

والسؤال الذي سيظل مطروحاً في الشارع الكوردي هو ذاته:

هل يريد رئيس الوزراء فعلاً دولة لكل مواطنيها… أم دولة تُدار وفق حسابات اللحظة ورهانات البقاء في السلطة؟