د. دژوار سندي
أكاديمي ومتخصص في القانون
اعتراف الخصوم قبل الأصدقاء … مسعود بارزاني القائد والمرجع
في تاريخ الشعوب، لا تتكرر الشخصيات التي تتحول من مجرد قائديّن سياسيين إلى رموز مرجعية تتجاوز حدود الجغرافيا والزمن. وفي الحالة الكوردية، يشكّل الرئيس مسعود بارزاني الامتداد الطبيعي لتجربة نضالية، ورؤية سياسية، ومسار تاريخي لا يمكن فصل أحدها عن الآخر. فهو القائد الذي لا يُقاس بالألقاب، بل يُقاس بأثره، ولا يُختزل بمنصبه، بل يُقاس بحجم مكانته في الوعي الجمعي.
ولعلّ الحدث الأخير في ملتقى ملا الجزيري في شرناق كشف للجميع - مرة أخرى - المعنى الحقيقي لكلمة مرجع حين تُقال عن مسعود بارزاني.
حضور قصير… وتأثير عميق
لم يكن وجود الرئيس بارزاني في الملتقى سوى ساعات قليلة، ولكنّ صدى هذا الحضور بقي حديث تركيا لأسابيع متتالية داخل الإعلام والسياسة والمجتمع. لقد تحوّلت تلك الساعات إلى حدثٍ امتدّ زمنه أبعد مما كان متوقعًا، حتى بات النقاش حول زيارته أطول بكثير من زمن الزيارة نفسها.
ولننظر إلى الصورة بعمق:
تركيا تعيش واحدة من أكثر فتراتها حساسية؛
اقتصاد يواجه تحديات كبيرة،
أزمات في العدالة وحقوق الإنسان،
ملفّ المرأة والصحافة يشهد انتهاكات مستمرة،
ومسار السلام بين الكورد والدولة التركية يمرّ بواحدة من أكثر لحظاته حساسية وتعقيدًا.
ومع كل هذه التحديات التي يُفترض أن تشغل الرأي العام التركي، وجد الشارع نفسه - بكل أطيافه - يتحدث عن زيارة لم تستغرق إلا ساعات ولكنها أحدثت تفاعلًا استمر أسابيع.
وهذا وحده يكشف أن مكانة الرئيس بارزاني أكبر من الحدث ذاته، وأن حضوره يخلق معادلة جديدة بالكامل.
قائد تُقاس به المواقف
القائد الحقيقي هو الذي لا يحتاج إلى أن يرفع صوته لكي يسمعه الآخرون،
ولا يحتاج إلى أن يفرض نفسه لكي يُرى،
ولا يحتاج إلى أن يبالغ في الظهور لكي يكون حاضرًا.
الرئيس مسعود بارزاني يمثّل هذا النموذج تمامًا.
يكفي أن يدخل إلى قاعة، فيتحول وجوده إلى مركز الثقل السياسي والإعلامي.
يكفي أن يجلس، فيبدأ الآخرون بإعادة حساباتهم.
يكفي أن يبتسم، ليتغير اتجاه النقاش.
هذا هو الفارق بين القائد العابر، والقائد المرجع.
اعتراف الخصوم قبل الأصدقاء
الجانب الأكثر أهمية في كل ما حدث هو أن الخصوم أكدوا فخامة القائد أكثر من المحبين أنفسهم.
فالمحب ينطلق من العاطفة والانتماء، وهذا طبيعي.
أما الذي يثير الانتباه فهو لغة الخصوم:
إعلاميون أتراك انتقدوا زيارته لكنهم اعترفوا بـ”ثقل” حضوره.
سياسيون معارضون حاولوا مهاجمة الملتقى، لكن كلامهم كشف أنهم يخشون قوة تأثيره.
محللون أتراك وصفوا الزيارة بأنها “مؤشر على دور لا يمكن تجاهله في مستقبل المنطقة”.
هذه ليست مجاملات
هذا اعتراف مباشر بأن الرئيس بارزاني ليس مجرد قائد، بل مرجعية سياسية ورمزية لا يمكن تجاوزها.
وهكذا، يتحول “النقد” ليصبح في الحقيقة تأكيدًا على الهيبة، ويتحوّل الهجوم السياسي إلى اعتراف بقيمة لا تُنكر.
الزعيم والقائد مسعود بارزاني… مرجع السلام ومرجع الموقف
في زمن تتسابق فيه القوى الإقليمية على النفوذ، يبقى الرئيس بارزاني ثابتًا في موقعه كـ:
مرجع سياسي للعقل الكوردي،
مرجع أخلاقي للثبات والمبدأ،
ومرجع استراتيجي للرؤية بعيدة المدى.
وجوده في شرناق رسالة واضحة:
أن القائد لا يحتاج إلى منبرٍ كي يصل صوته،
ولا إلى حملة إعلامية كي يظهر تأثيره.
هو بنفسه المنبر… وهو بنفسه الرسالة… وهو بنفسه الحدث.
القائد والمرجع… رمز لا يتكرر
ليس من السهل أن تتفق شعوبٌ مختلفة على قيمة رجل واحد.
لكن حضور الرئيس مسعود بارزاني أثبت أنّ احترامه يتجاوز الحدود القومية،
وأن مكانته تُقرأ في أنقرة كما تُقرأ في أربيل،
وأن تأثيره يُحسب حسابه في كل معادلة سياسية تخص المنطقة.
وهذه ليست مكانة تُمنح،
بل هي مكانة تُنتزع، وتُثبتها التجربة، ويصنعها التاريخ
ختامًا: مسعود بارزاني - القائد والمرجع
من شرناق إلى دياربكر، ومن أربيل إلى كل جزء من كوردستان، يبقى مسعود بارزاني المرجع الأعلى في القرار السياسي الكوردي، والقائد الذي تتجاوز هيبته كل حدود، والرجل الذي يعيش أثره في أذهان الخصوم قبل الأصدقاء.
إنّه القائد الذي إذا حضر، حضر التاريخ معه،
وإذا تكلم، تكلمت معه التجربة،
وإذا غاب، بقيت هيبته حاضرة في كل مكان.
هكذا تُصنع المرجعيات… وهكذا يكون القائد.