محمد صابرين
كاتب ومحلل سياسي
مصر لن تترك العراق وحريصة دوماً على كوردستان
مصر ارتبطت دوما بالعراق، وهي لم ولن تترك بلاده الرافدين ابدا.والعراق في مخيلة ووجدان المصريين حضارة عظيمة ، وفي أولويات الدولة المصرية الحفاظ على وحدة وسلامة العراق بكل مكوناته، والقاهرة منفتحة، وأبوابها مفتوحة، وذراعيها ممدودة للجميع. وأحسب أن أكراد العراق لهم وضع خاص في قلوب المصريين يرتبط بالبطل العظيم صلاح الدين الأيوبي. وهناك قامات مصرية من أصول كردية ، ولقد ذهبت الى السليمانية في زيارتي الأولي لكردستان، ولازالت احتفظ بذكريات جميلة. كما أننا استضفنا وزير خارجية العراق الاسبق هوشيار زيباري في الأهرام ، وترك انطباعات جيدة ، وساهم في حل مشكلة تحويلات المصريين في العراق. وخلال حضوري للقمة العربية في بغداد تحدث الكثيرون عن حنكة الزعيم مسعود بارزاني ، وانه الرقم الصعب في المشهد السياسي العراقي. وأحسب أن أربيل تحتاج لبذل جهد أكبر للتعاون والحوار مع النخبة المصرية مثل السليمانية ،فقد كان الزعيم الراحل جلال طالباني حريص على التواصل مع النخبة المصرية بقوة.
ولقد حظيت زيارة رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، إلى القاهرة، واستقباله الحار من قبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بتغطية إعلامية واسعة ولافتة في وسائل الإعلام المصرية، عكست عمق العلاقات التاريخية والسياسية بين مصر وإقليم كردستان. وهنا نتذكر أول لقاء رسمي بين زعيم مصري وزعيم كردي، وهو لقاء الزعيم الراحل جمال عبدالناصر بالملا مصطفى البارزاني عام 1963، وبرفقته وفد، عندما كانوا قادمين من الاتحاد السوفيتي.
وركّزت تحليلات الخبراء المصريين على الرسائل السياسية للزيارة، ومستوى التنسيق الأمني بين المؤسسات الأمنية في مصر وإقليم كردستان، بوصفه خطوة تهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، ومواجهة التحديات الإقليمية، ولا سيما المخاطر المرتبطة بالإرهاب.
وعندما تتواصل مصر مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، واليوم مع مسرور بارزاني وبقية القيادات والنخب العراقية فهي دوما حريصة على أن يأتي ذلك في سياق رسالة استراتيجية تهدف إلى التأكيد على دور مصر في دعم استقرار العراق بمختلف مكوناته، وفتح آفاق جديدة للتعاون الأمني والاقتصادي مع إقليم كردستان.
وفي هذا السياق، أشارت صحيفة الأهرام إلى إشادة رئيس حكومة إقليم كردستان بالدور الإقليمي لمصر بوصفها ركيزة أساسية للاستقرار في العالم العربي، مؤكدة أن القاهرة تُعد شريكًا محوريًا في دعم الأمن والتنمية.
ومن ناحية أخرى، هناك البُعد الاقتصادي للزيارة، فقد وجه الرئيس المصري الدعوة إلى حكومة إقليم كردستان للاستفادة من خبرات الشركات المصرية في تنفيذ المشاريع، في إشارة إلى رغبة القاهرة في نقل تجاربها في مجالات الإعمار والتنمية والبنى التحتية إلى الإقليم.
وأحسب أن كردستان مهيأة أكثر من الآخرين في العراق للاستفادة من تعزيز الروابط مع مصر ،وتقول المصادر المصرية أن الاستثمارات من كردستان موجودة، لكنها ليست بالقدر الكافي. ومن هنا نتمنى أن تكون زيارة مسرور البارزاني بداية انطلاقة كبرى في مسيرة التعاون بين القاهرة وإقليم كردستان ثقافيًا وفنيًا واقتصاديًا، لتفتح أبوابًا للأجيال الجديدة ونوافذ للتعارف مع أهلنا في كردستان.
ومما لاشك شك فيه أن كردستان تنعم بقدر كبير من الاستقرار مما يجعلها شريكا جاهزا للتعاون مع مصر ،وتشهد كردستان العراق زخمًا ثقافيًا، حيث مهرجان المسرح ، وشارك في دورته الماضية فنانون مصريون، منهم النجم أحمد بدير رئيسًا للجنة التحكيم.
وهناك أيضًا مهرجان السليمانية، الذي يشهد مشاركة مصرية كل عام. وتحظى الدراما بوجود قوي من خلال بعض الأعمال التي يتم تصويرها هناك، ومنها مسلسل «ليلة السقوط»، وتم تصويره في أربيل.
وهوما يعكس عمق المحبة ما بين المصريين والأخوة في كردستان العراق ،وهذه الروح نحتاجها بشدة لتعزيز تعاون دول المشرق العربي ، ومن المعروف أن مصر والأردن ترتبط مع العراق الشقيق بمشروع ضخم أطلق عليه التعاون الثلاثي، ويمكن لإقليم كردستان أن يلعب دورا كبيرا في هذا المشروع الضخم.
ويحلو للخبراء العرب أن يطلقوا عليه مسمى «المشرق الجديد»، والذي يعتمد البعد الاقتصادي بالأساس، وهو تحرك نوعي للتعاون الاقتصادي والاستثماري بين مصر والأردن والعراق، من خلال مساعي تشكيل تكتل اقتصادي على غرار الاتحاد الأوروبي، حيث يمكن أن يؤسس هذا المشروع لمرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي بين الدول الثلاث، خاصة إذا سارت الأمور بقوة، وجرى وضع المشروعات التي تم الاتفاق عليها موضع التنفيذ، والتي يأتي أهمها:
تنمية التعاون بين الدول الثلاث، في مجالات اقتصادية واستثمارية، تعتمد رؤية تكاملية بين مصر التي تمثل كتلة بشرية كبيرة، والعراق الذي يشكل كتلة نفطية ضخمة، والأردن؛ الذي يمثل حلقة وصل جغرافي بين البلدين، ويمكنه اتخاذ الترتيبات اللازمة لإنشاء منطقة لوجستية مشتركة على الحدود العراقية الأردنية، لتسهيل دخول الشاحنات والبضائع المصرية للأراضي العراقية.
- مد أنبوب نفط من مدينة البصرة العراقية إلى مدينة العقبة الأردنية، يمكن امتداده إلى الأراضي المصرية، بما يتضمنه ذلك من مصالح متبادلة عديدة، منها وصول نسبة كبيرة من النفط العراقي بعيدا عن مضيق هرمز، وحصول كل من مصر والأردن على النفط بأسعار تفضيلية، تصل إلى 16 دولاراً للبرميل.
- تنفيذ مشروع الربط الكهربي (المصري – الأردني – العراقي)بسرعة، وذلك عقب انتهاء الدراسات الفنية من أجل إتمام تصدير الكهرباء من مصر إلى عمان ثم إلى بغداد، حيث يعاني العراق من نقص حاد في الكهرباء منذ سنوات، ويمكن لمصر سد هذا النقص، لا سيما وأن الأخيرة لديها بالفعل خط للربط الكهربائي مع الأردن منذ قرابة 22 عاما، لكن يستلزم مده للعراق، مضاعفة قدرة هذا الخط.
-تطوير شركة الجسر العربي، المملوكة لـ(مصر والأردن والعراق)، والتي تم تأسيسها في نوفمبر من عام 1985 برأسمال مدفوع قدره ستة ملايين دولار أمريكي، مقسمة بالتساوي بين الدول الثلاث، وقد تمت زيادة رأس مال الشركة في عام 2012، حتى أصبح مائة مليون دولار أمريكي، إذ تعتبر هذه الشركة من شركات الملاحة الرائدة في المنطقة، حيث تمتلك خبرة عملية واحترافية في عمليات النقل البحري.
- تسيير خط نقل بري بين الدول الثلاث، يبدأ من القاهرة مروراً بعمان وصولا إلى بغداد والعكس، وذلك من خلال تطبيق البروتوكول الموقع بين جهاز تنظيم النقل البري الداخلي والدولي وشركة الاتحاد العربي (السوبرجيت) من الجانب المصري، وكل من شركتي جيت الأردنية، والوفود والمسافرين العراقية الخاصة، بهدف تسهيل الحركة والتنقل البري بين الدول الثلاث.
هذا إضافة إلى احتواء هذا المشروع على العديد من المشروعات المشتركة، والتي تشمل، إنشاء مدن صناعية، وتعزيز التجارة البينية وزيادة حجم الاستثمارات المتبادلة، فضلا عن التعاون الأمني والاستخباراتي بين الدول الثلاث في إطار عمليات مكافحة الإرهاب.
وبينما ينتظر الجميع الحكومة العراقية الجديدة، فأن الانفتاح والتعاون مع كردستان العراق مهم جدا للقاهرة التي لن تترك العراق ولا حرصها علي امن واستقرار كردستان العراق.
الكاتب في سطور: محمد صابرين، مدير تحرير جريدة الاهرام المصرية. خبير الشؤون الدولية والشرق الاوسط وقضايا البيئة والتنمية المستدامة. كاتب في الاهرام المصرية، وجريدة كوريا تايمز، وكالة شينخوا الصينية، وجريدة الاهرام ويكلي، والمصري اليوم، ومركز أبحاث يونايتد وورلد انترناشيونال. وجريدة الصباح العراقية، وجريدة الدستور الأردنية، وجريدة النهار الكويتية. وجريدة نيوسترايت تايمز الماليزية.