مصر وكوردستان..ذاكرة مشتركة وجسرًا دائمًا للأخوة

مصر وكوردستان..ذاكرة مشتركة وجسرًا دائمًا للأخوة
مصر وكوردستان..ذاكرة مشتركة وجسرًا دائمًا للأخوة

لم تكن العلاقات بين مصر وإقليم كوردستان العراق في أي مرحلة من مراحلها علاقات ظرفية أو آنية، بل هي علاقات عميقة الجذور، تشكلت عبر التاريخ، وتغذت من التفاعل الإنساني والثقافي، وتكرّست من خلال الإيمان المشترك بدور الفن والثقافة في بناء الوعي وترسيخ قيم الأخوة والتعايش. ومن هذا المنطلق، أؤكد دائمًا أن التعاون بين مصر وكوردستان لم ينقطع يومًا، ولن يتوقف، بل يواصل مسيرته بثبات، مدعومًا بإرادة صادقة ورغبة حقيقية في البناء المشترك.

زيارة سياسية… ورسالة إنسانية

لقد جاءت زيارة السيد الرئيس مسرور بارزاني إلى جمهورية مصر العربية لتُجسد هذا المعنى بوضوح، ولتحمل في طياتها أكثر من رسالة. فهي لم تكن مجرد زيارة رسمية، بل مثلت تفعيلًا حقيقيًا لروح الود والمحبة والعلاقات الأخوية بين الجانبين. لقاءات الرئيس بارزاني مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، وزياراته للأماكن الأثرية والتاريخية الكبرى مثل القلعة والأهرامات، عكست شعورًا عميقًا بالألفة والانتماء، وأكدت أن مصر كانت وستظل وطنًا ثانيًا للأشقاء في كردستان.

هذه الزيارة بعثت برسالة واضحة مفادها أن العلاقات المصرية–الكردستانية تتجاوز الإطار البروتوكولي، لتصل إلى مستوى الشراكة الإنسانية والثقافية، وهو ما نلمسه في كل لقاء، وكل تعاون، وكل مبادرة مشتركة.

إطار الدولة العراقية… ووحدة الصف

نحن في تعاملنا مع إقليم كوردستان نؤمن إيمانًا راسخًا بأن هذه العلاقات تتم دائمًا في إطار الدولة العراقية الواحدة، وتحت راية التكامل والتعاون، والحرص على وحدة الصف والعمل المشترك. فالعلاقات بين مصر وكوردستان لم تكن يومًا بمعزل عن هذا الإطار الوطني، بل كانت داعمة لوحدة العراق، ومُعزِّزة للتواصل بين مكوناته الثقافية والاجتماعية.

علاقة شخصية تتجاوز المناصب

على المستوى الشخصي، فإن ارتباطي بكوردستان لا يقتصر على كوني نقيبًا للسينمائيين أو رئيسًا لاتحاد الفنانين العرب، بل هو ارتباط وجداني وثقافي نابع من معرفة حقيقية بتاريخ الشعب الكردي ونضاله. وخلال زياراتي المتعددة إلى الإقليم، تشرفت بزيارة مقبرة الزعيم الكوردي الراحل الملا مصطفى البارزاني، وقراءة الفاتحة على روحه، وهو موقف يحمل دلالات رمزية كبيرة تعكس الاحترام المتبادل للتاريخ والرموز الوطنية.

السليمانية 2013… محطة مفصلية

منذ سنوات طويلة، لم تنقطع الزيارات المتبادلة بين مصر وكوردستان، وكان من أبرز محطاتها زيارة عام 2013 إلى مدينة السليمانية، حيث قدت وفدًا رفيع المستوى من نقابة المهن السينمائية المصرية، تلبية لدعوة من شركات فنية منتجة في إقليم كوردستان، في إطار بحث سبل التعاون المشترك.

ضم الوفد آنذاك نخبة من صناع السينما المصرية، من بينهم عمر عبد العزيز وكيل النقابة، وسمير فرج مدير التصوير السينمائي ورئيس جهاز السينما، إلى جانب الفنان القدير علي بدرخان، والفنانين محمد فاضل ومحمد أبو سيف. وقد حمل الوفد رؤية واضحة تهدف إلى إطلاق مشاريع فنية مشتركة ذات طابع توثيقي وإنساني.

توثيق الذاكرة الكوردية عبر السينما

خلال تلك الزيارة، طُرحت مجموعة من الأفكار والمقترحات لإنتاج أفلام وثائقية وتسجيلية تتناول القضية الكردية وتاريخها، وتسهم في حفظ الذاكرة الجمعية للشعب الكوردي. وتم إعداد مشاريع لإنتاج فيلم وثائقي عن المدن الكوردية، وآثارها، وعاداتها وتقاليدها، بما يعكس ثراء هذا المجتمع وتنوعه الثقافي.

ولم يقتصر الطرح على كوردستان العراق فقط، بل امتد ليشمل الوجود الكوردي في دول أخرى مثل إيران وتركيا وسوريا وأذربيجان، في رؤية شاملة تهدف إلى تقديم صورة متكاملة عن شعب عريق، عانى كثيرًا، لكنه ظل متمسكًا بهويته وثقافته.

"البيشمركة"… السينما بوصفها شهادة

ومن بين أبرز ما تم الاتفاق عليه، إعداد سيناريو لفيلم روائي طويل يحمل اسم "البيشمركة"، يتناول نضال الشعب الكوردي وكفاحه الطويل. هذا المشروع لم يكن مجرد عمل فني، بل شهادة تاريخية وإنسانية توثق مرحلة مهمة من مسيرة شعب قدم تضحيات جسيمة من أجل حريته وكرامته.

وبناءً على مقترح من المخرج الصديق علي بدرخان، جرى الاتفاق على تفعيل التنسيق مع الجهات الفنية في إقليم كوردستان لتنظيم قوافل ثقافية مشتركة، وتفعيل الإنتاج السينمائي المشترك، ووضع بروتوكولات تعاون مؤسسية بين نقابة المهن السينمائية المصرية ونظيراتها في الإقليم، بما يعزز العلاقات الثقافية والفنية والاجتماعية بين الشعبين المصري والكوردي.

مشاريع مستقبلية مشتركة

بحثنا أمكانية كتابة سيناريوهات لأعمال فنية مشتركة، من بينها فيلم روائي بعنوان "رحلة مصر للطيران"، ومسرحية "قاطع مخمور والخازر"، إضافة إلى التوافق على اختيار ستة ممثلين من إقليم كوردستان للمشاركة في أحد الأعمال المشتركة، بشرط إجادتهم اللغة العربية، على أن يُعرض العمل باللغة العربية ويُترجم إلى الكردية والإنجليزية.

أغسطس 2023… أربيل نموذجًا للاستقرار

وفي أغسطس من عام 2023، التقيت بمحافظ أربيل آنذاك، السيد أوميد خوشناو، ضمن وفد فني زار ديوان المحافظة. وخلال اللقاء، لمسنا حالة الأمن والاستقرار التي تنعم بها أربيل، وهي حالة لم نشعر معها بأي اختلاف بينها وبين القاهرة. كما قمنا بإنتاج عدد من الأفلام الوثائقية، خاصة عن مأساة سنجار، إلى جانب توثيق التحولات العمرانية والثقافية التي شهدتها العاصمة أربيل.

منصة للحوار الثقافي

كما استضافت نقابة المهن السينمائية في القاهرة وفدًا من مؤسسة "رؤى" للتوثيق والدراسات الاستراتيجية، حيث تم التأكيد على أهمية تعزيز العلاقات الثنائية، وتبادل الخبرات، وتفعيل بروتوكولات التعاون الثقافي والفني، ومناقشة مشاركة كوردستان في فعاليات ثقافية كبرى، من بينها معرض القاهرة الدولي للكتاب.

وإنني أؤمن إيمانًا راسخًا بأن الفن سيظل دائمًا لغة عالمية قادرة على تجاوز الحدود، وبناء جسور التفاهم، وترسيخ قيم الأخوة والتعايش بين الشعوب. ومن هذا المنطلق، ستواصل مصر دعمها لكل ما يعزز التعاون الثقافي والفني مع إقليم كوردستان، إيمانًا بدور الثقافة في صناعة المستقبل، وحفاظًا على العلاقات التاريخية والإنسانية التي تجمعنا