د. محمد صديق خوشناو
كاتب
تجربة التعليم الإلكتروني في إقليم كوردستان في ظل جائحة كورونا
إن الوضع الاستثنائي القائم حالياً, حتّم على القائمين على سير العملية التعليمية في كوردستان اتخاذ تدابير جديدة, بغية إنقاذ العام الدراسي وعدم إضاعتها على طلبة العلم, اللذين هم الثروة الحقيقية في بناء أي بلد
مما لاشك فيه أن عالمنا في العقدين الأخيرين, قد شهد تطورات كبيرة وملحوظة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والصحية والتربوية والتكنولوجية, حيث استطاعت الإنسانية عامةً والدول العظمى بشكل خاص السيطرة على معظم أوجه الحياة, ناسيةً أو متناسيةً محدودية إمكانيات الإنسان وعدم قدرته على التحكم بكل شيْ في عالم يتسم بعدم الاستقرار والتقلبات الكبيرة, وبطبيعة الحال هذه التقلبات التي عصفت بالأرض لم تستثنِ إقليم كوردستان وأظهرت عراقيل ومعوقات عدة توجب على كوردستان مواجهتها.
شكلّ انتشار فيروس كورونا المستجد في مختلف أنحاء العالم ووصوله إلى إقليم كوردستان في بدايات شهر شباط بإصابة عدة أشخاص بها تحدياً كبيراً هدد حياة سكان كوردستان عامةً, وكان لزاماً على حكومة كوردستان اتخاذ تدابير جدية لحماية حياة المواطنين وتطبيق مبادئ التباعد الاجتماعي وإجراءات أخرى تتماشى مع توصيات منظمة الصحة العالمية, واتخذت قرارت عديدة في هذا الصدد من ضمنها إغلاق مراكز التعليم في كوردستان في نهاية شهر شباط 2020, بما أن الاختلاط الاجتماعي في هذه المراكز التعليمية كبير جداً مما قد يؤدي إلى انتشار الوباء بشكل كبير في المجتمع.
إن الوضع الاستثنائي القائم حالياً, حتّم على القائمين على سير العملية التعليمية في كوردستان اتخاذ تدابير جديدة, بغية إنقاذ العام الدراسي وعدم إضاعتها على طلبة العلم, اللذين هم الثروة الحقيقية في بناء أي بلد مستشهدين بقول شاعر النيل (حافظ إبراهيم):
"العلم يرفع بيوتاً لا عماد لها والجهل يهدم بيوت العز والكرم".
حيث قرر مجلس وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في كوردستان, باعتماد الدراسة الالكترونية بدءاً من 2/5/2020 بشرط إنهاء الدراسة الالكترونية والعودة لاستكمال العملية التعليمية داخل الحرم الجامعي في أي وقت تعلن فيه السلطات المختصة انتهاء خطر وباء كورونا.
وتجدر الإشارة إلى أنّنا في الجامعة اللبنانية الفرنسية, التزمنا بتطبيق الدراسة الالكترونية لمدة أربعة أسابيع بكل حماسة ونزاهة وإحساس بالمسؤولية في جميع الأقسام العلمية في الجامعة, وبإشراف مباشر من رئاسة الجامعة وعمادات الكليات المختلفة بالتنسيق مع مديرية ضمان الجودة في الوزارة, لضمان حسن سير العملية الدراسية خلال هذه المرحلة إلى حين إصدار الوزارة لأية تعليمات جديدة في هذه الخصوص.
لاحقاً وبتاريخ 1/6/2020 قام المجلس بإصدار الكتاب المرقم 5324, والذي نصّ بالمصادقة على اثنين وعشرين أسبوعاً دراسياً قبل إعلان العطلة الرسمية في 29/2/2020, بالإضافة إلى أربعة أسابيع دراسية في شهر أيار حسب النظام الاكتروني, كما يتوجب تخصيص أربعة أسابيع أخرى في نهاية العام الجامعي لإعداد التقارير العلمية وأية آليات أخرى تعتمدها الجامعة لتقييم الطلبة.
إن هذه القرارات الاستثنائية باعتماد التقارير العلمية والواجبات المنزلية ((Assignments لتقييم الطلبة, قد تبدو للبعض غير منطقية ومحل نقد, إلا أنيّ أود التأكيد على مدى أهمية هذه الأساليب في التقييم, وذلك من واقع تجربتي الشخصية أثناء إيفادي لدولة فنلندة مع مجموعة من نخبة الزملاء العاملين في السلك الأكاديمي في عام 2018, حيث كان الهدف هو الإطلاع على أحدث الطرائق والأساليب التدريسية والتعليمية في العالم المتطور, والتي كانت أهمها (إعداد التقارير العلمية), والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في صياغة نظام تعليمي حديث يلاءم حاجة كوردستان وإمكانياتها المتاحة, كما أن إعداد التقرير العلمي من قِبل الطالب في الجامعة اللبنانية الفرنسية لا يعني نجاحه آلياً, بل سيتم التأكد من مدى ملائمته علمياً وموضوعياً, وأن يكون من إعداد الطالب بصفة منفردة ومستقلة بالاعتماد على المصادر العلمية, وفي حال تبيّن أية عملية غش سيرسب الطالب تلقائياً.
إن المتتبع لسير التطورات الإنسانية تاريخياً, سيلاحظ بلا أدنى شك أن أكبر القفزات الإبداعية في حياة الإنسان حصلت في ظلّ الحروب والأزمات الكبرى, وبلا أدنى شك أن وباء COVID19 أحد هذه الأزمات الكبرى على مستوى العالم, فرُبّ ضارةٍ نافعة, ومن رحم المعاناة يُولد الإبداع, وعسى أن تساعدنا هذه الأزمة في تحديث وتطوير نظامنا التعليمي, وأكاد أجزم أننا سنستفيد من هذه الأساليب الحديثة في نقييم الطلبة في المستقبل حتى بعد زوال خطر هذا الوباء الفتّاك, كما أن أية تجربة جديدة لن تخلو من الأخطاء التي سنستفيد منها مستقبلاً بإذن الله.
كما أؤكد للطلبة الأعزاء ضرورة التزامهم بقرارات الوزارة والجامعة بما فيها القرارات والتعليمات الخاصة بالامتحانات النهائية.
وفي النهاية لا يسعني إلا أن أدعو لله تعالى أن يحفظ شعب كوردستان والعراق والإنسانية جمعاء من هذا البلاء والمرض, وأن تعود الحياة إلى طبيعتها في أقرب وقت.
مع تمنياتي للطلبة الأعزاء بالنجاح والتوفيق الدائمين.
أ.د محمد صديق خوشناو