د. محمد العرب
رئيس المركز العربي للأبحاث والرصد
لاراك المفقودة: هل كانت معقلًا للكورد القدماء…؟
لاراك، المدينة السومرية المفقودة التي تذكر في النصوص القديمة كواحدة من المدن الأولى التي مارست الملكية قبل الطوفان، تبقى لغزًا تاريخيًا لم يُحل حتى الآن ، تشير الأدلة الأدبية إلى وجودها وأهميتها في الثقافة السومرية، ولكن غياب الاكتشافات الأثرية الدقيقة يجعلها موضوعًا مفتوحًا للتأويلات والنظريات. إحدى هذه النظريات المثيرة للاهتمام تتعلق بإمكانية ارتباط لاراك بالأصول العرقية للكورد القدماء.
وفقًا لقائمة الملوك السومريين، كانت لاراك ثالث أو رابع مدينة تمارس الملكية في الفترة التي تسبق الطوفان ، الملك الوحيد المعروف الذي حكم لاراك كان إن-سباد-زيد-أنا، الذي نُسبت إليه فترة حكم هائلة تمتد لآلاف السنين. هذا الطابع الأسطوري للمدينة والملك يشير إلى أهميتها الروحية والدينية في الثقافة السومرية القديمة.
لاراك لم تُحدد مكانها بدقة في الحفريات الأثرية الحديثة، ولكن يُعتقد أنها كانت تقع شرق مدينة كيش وبالقرب من مدينة إيسن ، وقد ورد ذكر المدينة في العديد من النصوص السومرية، منها "مرثية أور"، التي تذكر تخلي الإلهة نيناشت عن منزلها في لاراك ، تعتبر هذه الإشارة دليلًا على دور المدينة في الممارسات الدينية والطقوسية في ذلك الزمن.
من ناحية أخرى، يرتبط الكورد بشكل وثيق بالمنطقة التي كانت تشمل جزءًا من الحضارة السومرية ويُعتقد أن الكورد كانوا يعيشون في المناطق الجبلية الشمالية لبلاد ما بين النهرين، وهي المناطق التي يعتقد بعض الباحثين أنها ربما كانت موطنًا للعديد من المدن السومرية المفقودة مثل لاراك ، إن التقارب الجغرافي بين المواقع التي يُفترض أنها احتضنت لاراك والمناطق التاريخية للكورد يفتح الباب أمام فرضية مثيرة للاهتمام: هل يمكن أن تكون لاراك جزءًا من تراث الكورد القديم؟.
بالإضافة إلى ذلك، تعتبر الإلهة نيناشت، التي تُذكر في النصوص السومرية باعتبارها حامية لاراك، مرتبطة بالإلهة نينيسينا، التي كانت تُعبد أيضًا في مناطق مجاورة. هذا يعزز فكرة أن الثقافة الدينية في لاراك قد تكون قد تأثرت بثقافات محيطة، وربما حتى بثقافات الشعوب الجبلية التي تشمل أسلاف الكورد . هذه الروابط الثقافية والدينية تشير إلى احتمالية وجود تأثيرات متبادلة بين الحضارات السومرية والجماعات السكانية في المناطق الجبلية.
وعلى الرغم من أن الأدلة الأثرية غير كافية لتأكيد هذه الفرضية بشكل قاطع، إلا أن التأمل في النصوص الأدبية والتاريخية يجعل هذه النظرية تستحق النظر والدراسة. إذا كانت لاراك بالفعل لها صلات بالكورد القدماء، فإن هذا يمكن أن يعيد تشكيل فهمنا للتاريخ العرقي والثقافي في بلاد ما بين النهرين، مشيرًا إلى تفاعل ثقافي أعمق وأقدم مما كنا نعتقد.
في النهاية، يظل لغز لاراك مفتوحًا للبحث والاكتشاف. وبينما ننتظر الاكتشافات الأثرية التي قد تقدم إجابات، تبقى الفرضيات المثيرة مثل ارتباطها بالكورد تذكيرًا بمدى تعقيد وتداخل التاريخ القديم في منطقة ما بين النهرين. إن فهمنا لهذا التاريخ يمكن أن يكشف عن علاقات خفية بين الحضارات القديمة، ويقدم رؤى جديدة حول كيفية تشكل الثقافات وتفاعلها عبر الزمن.