
شفان إبراهيم
Author
ليست الاغتيالات التي تُنهي المواجهات العسكرية

تُشكل عقلية الاغتيالات الإسرائيلية ضد القيادات الفلسطينية، ومنذ عام1984، جزءاً أساسياً، من عقلية الحل والتوجه الأمني، دون أيّ اكتراث لتداعيات تلك العمليات، سواء قانونياً، أو سياسياً، ناهيك عن الجانب الأخلاقي.
اغتيل "إسماعيل هنية"، الشخص الذي شكلً جزءًا محورياً من تاريخ حماس، لعقود من الزمن. وهو الذي قاد مراراً العمليات السياسية للجناح العسكري لحماس، وكان من أبرز القيادات الفلسطينية خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، إضافة لاطلاعه بأدوار تفاوضية مع الوسطاء الدوليين، لإطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.
كما استهدف في نفس اليوم وتوقيت مقارب، القيادي العسكري البارز في حزب الله "فؤاد شكر". عمليتي الاغتيال، شكلت ضربة موجعة في صميم حلفاء المحور الواحد؛ خاصة وأن كِلا الشخصيتين، كانتا تتحكمان بالعديد من الملفات والمهام الحساسة والمحورية في المجالين السياسي والعسكري.
وقبل عملية الاغتيال هذه، فإن الحرب الإسرائيلية على غزة لم تتوقف منذ بداياتها في 7 أكتوبر 2023، وإلى اللحظة، والتي طًحن بها مئات الألاف من الغزيين من مدنيين وعسكريين، ولمختف الأعمار والفئات، ورغم العديد من المحاولات والتدخلات الإقليمية والدولية، لوقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى وفتح المعابر، وتلكؤها أحياناً كثيرة، وحركيتها البطيئة أحياناً أخرى؛ بسبب إصرار الجانب الإسرائيلي على المضي في حربه.
لكن عمليات الاغتيالات التي جرت ليل/فجر الأربعاء-الخمس 31يوليو2024، يوحي بوضوح لفشل تلك المفاوضات والمساعي، ورسالة حربية مضمونها، قدرة إسرائيل الوصول إلى أيّ عمقٍ في أيّ أرضاً سواء سوريا أو إيران أو لبنان، أو اليمن، وفلسطين، إضافة لفتح هذا التصعيد الأخير، للعديد من الاستفسارات حول مستقبل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني في المنقطة.
وهل هذا الاستهداف للرؤوس الأساسية والقيادات العسكرية المهمة في حماس وحزب الله، والتي تُعتبر على الأقل امريكياً واسرائيلياً، قيادات عميقة لأذرع إيران في المنطقة، ستؤدي لنهاية الصراع، أم تأجيجه واتساعه أكثر؟ ما يُهدد بجر لبنان إلى ساحة معركة، والتداعيات الخطيرة لذلك، سواء من حيث الوضع الاقتصادي المذري للبلاد، أو إمكانية جر العراق لدخولها على خط المواجهة، عبر الفصائل العسكرية العراقية المسلحة الموالية لطهران، والمعادية للوجود الأمريكي في المنقطة.
والواضح أن محادثات وقف إطلاق النار سيتأجل، وهو مؤشر واضح لاستمرار الصراع والمواجهات خلال المرحلة المقبلة، وهو ما يعني تصعيداً واضحاً ضمن الصراع الإقليمي، إن لم يتم تداركه بسرعة.
وصحيح أن عملية الاغتيال ضمن طهران شكلت ضربة لهيبة وغرور ايران، لكن وكقراءة لرغبة أمريكا وإيران بعدم الانجرار صوب توسيع رقعة المواجهات والحرب، فإنه من المحتمل أن تكون التداعيات ذات تأثير محدد، مع استمرار التوترات والصراع في المنطقة، دون أي إمكانية للمواجهة المباشرة مع الجانب الإسرائيلي أو الأمريكي.
فالأخيرة مقبلة على انتخابات رئاسية، وتملك مئات القواعد العسكرية والمصالح الاستراتيجية والاقتصادية في المنطقة، وإيران مكبلة بسلسلة من الأزمات الداخلية، على رأسها الاقتصادية، والأمنية والمعيشية والسياسية الداخلية، وأدوار الحوثيين ليست بالفاعلية التي تؤثر على الأمن والاستقرار ضمن العمق الإسرائيلي، والأدوار الروسية التي تمنع القوات الإيرانية من استخدام الأراضي السورية لشّن الهجوم، إضافة لاستمرار الجانب السوري، باتخاذ موقف غير مُشارك عسكرياً ضد إسرائيل، وقسم كبير من النُخب السياسة في لبنان الرافضين لتحويله إلى ساحة مواجهة بديلة، أو لتخفيف الضغط على حماس، إضافة لفارق القوى المرعب بين تل أبيب وحزب الله.
أمام كل تلك الحركية في الوضع الجغرافي والأمني والسياسي، والذي يُكبل إيران وحماس، فإن الحلول المتاحة أمام طهران للرد، رُبما تكون بعض الهجمات المعتمدة على عنصر المباغتة، واستهداف القواعد الامريكية، أو ارسال صواريخ إلى داخل تل أبيب، لكن، غالباً، دون مواجهات مباشرة، خاصة البرية منها
الواضح أن عملية الاغتيال، شكلت دليلاً واضحاً لحجم الاختراق الأمني الكبير، وتعكس تحولاً واضحاً في ديناميات الصراع، فإسرائيل تعتبر عملية اغتيال "هنية وشكر" جزء أساسي من استراتيجية أوسع، هدفها ممارسة أقسى اشكال الضغط والقوة على حماس وحزب الله، والواضح إنها غير مكترثة لحجم الرد وطبيعته ونوعيته، وهو ما بدى واضحاً على لسان قيادته حول استعداد تل أبيب لأيّ شكل من اشكال المواجهة، خاصة وأن ساحات المعارك هي خارج مساحات الاستقرار للإسرائيليين، والساحة الجديدة، إن وجدت ستكون لبنان، أو المواجهة بين الحشد الشعبي وفصائل عسكرية عراقية، ضد القوات الأمريكية في العراق وسوريا، أو المصالح الإيرانية في سوريا، والواضح أيضاً أن النتائج ستكون محسومة سلفاً، لصالح موازين الرعب في التسليح والاقتصاد. وهذا كله سيقود للمزيد من تعقيد المشهد الإقليمي ونسق الاستقرار في الشرق الأوسط.
كُل الأطراف تملك عقولاً محنكة في التفكير السياسي، وتعي جيداً أن الاغتيال، وبالرغم من إنها تُشكل تصعيداً وتهديداً للعديد من محاولات وقف إطلاق النار، لكنها لن تكون بمثابة نهاية الصراع؛ فالاغتيالات لا تُنهي المواجهات العسكرية، بل اساساً فالاغتيالات ليست سوى حلقة واحدة من سلسلة حلقات الحروب والمواجهات المستمرة، ورغبة المنفذ في سحق الروح المعنوية ضمن الأطراف المستهدفة. ورغم عدالة القضية الفلسطينية، والتي دفعت في سبيل حقوقها أكلافً باهظة، ولا تزال.
لكن الواضح غياب أيّ رغبة دولية في إنهاء كُل أشكال الحرب ما لم تكن الحلول سياسية؛ فالاستراتيجيات العسكرية والمواجهات الحربية، كُلها في النهاية تصب في خانة تعقيد النزاع أكثر، ولا تقدم حلولاً للصراع الذي يتطلب دوماً مسارات سياسية للحل.
ترغب تل أبيب بتوسعة رقعة الحرب، وهي عمدت لتنفيذ مخططها إلى محق الحياة في غزة، وترغب من وراء ذلك توريط الإدارة الأمريكية في الحرب، وهو سيعني حتماً توسيع الرقعة الجغرافية، وإطالة المدة الزمنية، وزيادة في أعداد الضحايا والكثير من الأرواح المسحوقة، وتدمير ما تبقى من البنية التحتية، بالمقابل فإن الإدارة الأمريكية لا تجد أيّ مصلحة لها في تلك التوسعة، وبل تسعى للمزيد من التهدئة؛ لمنع أيّ تمدد للحرب، وتجميد الحرب على أقل تقدير، وهو ما لم تنجح به حتّى الأن، ليبقى الحل الأنسب والأكيس، هو الحل السياسي، الذي يقي الفلسطينيين من حرب الإبادة.