
صبحي ساله يي
كاتب ومحلل سياسي
مزوّر مطرود.. ماذا بعد؟

من المفروض، عندما يطرد شخص ما، شر طردة، ويغطي الإعلام على تفاصيل قصته ويتعرف الجميع على جريمته، ويُعزل من موقع سلطوي حصل عليه في غفلة من الزمن، دون أن يسجن أو يصادر أمواله أو يمنع من السفر، من المفروض أن ينزوي ويتوارى عن الأنظار ويدفن صوته في عمق الزمن ويلتهم القهر وأوجاعه بجسد منهك وروح أسيرة تنتابها شعور بالعدمية والضياع والتلاشي، وأن يُصاب بفقدان الرغبة في الحياة عامة ويترهبن ويعتزل عن الناس، وربما أن يجنح نحو الانتحار والخلاص من ألم إضاعة السلطة والموقع جراء خطيئة لايمكن تبريرها.
وإن كان ولابد أن يبحث عن مهرب من الواقع وقيود الطرد والعزل والانكسار خوفاً من اليأس ومن تغطيه رمال التجاهل والإهمال وغض الطرف، عليه أن يبتعد عن إغراق الاتزان والحقيقة وتعكير الأجواء بحكايات من صنع مزاجه السىء وخياله المتهالك، وأن لا يحلم بمستقبل تختفي فيه العدالة، خاصة وأن المستقبل بالنسبة للمزورين يخفي أكثر مما يُظهر.
سقت بهذه المقدمة لأتحدث عن السيد محمد ريكان الحلبوسي، المطرود من قبل القضاء بتهمة التزوير الذي يعتبر في العراق جناية مخلة بالشرف، واعتراضه الشديد على تسليح قوات البيشمركة، وتفكيك رموز شخصيته، وأسأل: هل كان الحلبوسي يصلح ليصبح رئيساً للبرلمان العراقي؟ وهل كل مَن يحب الكلام، ويجيد اللعب بالكلمات، ويتمتع بقدرة التسويق في البضاعة السياسة يمكن أن يكون رئيساً لحزب؟.
الحلبوسي بدأ حياته في الإعلام، وأخفق في التقاط أسرار المهنة، وحتى في تسويق الدهن الحر، وعندما انكشف أمره انتقل إلى العمل السياسي وهو يحمل صفات الإعلامي الفاشل الذي يكذب بتلقائية من دون أن تظهر على وجهه أي علامة، ووضع لنفسه أهدافاً كبيرة، وحاول أن يقبض دون أن يدفع.
مارس السياسة وهو مخدوع من نفسه قبل الآخرين، معتقداً أنه قائد، لذلك لم يكتف بأن يرى نفسه أو كما يراه المنافقون، بل طالب الآخرين بأن يروه بهذا الشكل أيضاً، وأصيب بالغرور وتغيرت نبرته، ووضع مصالحه الشخصية فوق كل الاعتبارات، وبعث رسائل مثيرة إلى أبناء المكوّن العربي السني دون أن يهتم بمصداقيتها، ودون أن يأبه بخسائرهم الباهظة، وأصبح الأهم عنده هو أن يجد مَن يصفق له، وحاول أن يبتدع أنجع الطرق لإزاحة كل مَن يعترض طريقه، ومن يخاصمه، وقد نجح في بعضها وأخفق في أخرى لذلك مارس تزويراً قاده إلى قفص الاتهام، فضلاً عن طرده من البرلمان.
أما عن تغريدة اعتراضه على تسليح البيشمركة، فهو نابع من أمرين، أحدهما ظن والآخر يقين.
الظن هو أن بإمكانه، عن طريق مهاجمة البيشمركة كسب ود الجهات والأطراف الحاقدة على الكورد، والحصول على إكسير الحياة الذي يبحث عنه في جعبة هؤلاء، من خلال إسهامهم في منع القضاء من فتح ملفات شبهات تزوير أخرى مركونة في مدارج البرلمان، أو على الأقل تأجيل تحولها في قادم الأيام إلى لائحة اتهام جديدة تؤدي به إلى الحبس.
أما يقينه فهو، أنه خالف من المستور، وانتهى وجوده في العملية السياسية ومنتهي الصلاحية، وغارق في حوض آسن لا يعرف كيف يخرج منه، والغارق كما هو معلوم يتشبث بكل شىء. وعلى يقين، أيضاً، بأن حزبه يمر بظروف استثنائية ويواجه تحديات كبيرة، وقريب من الانهيار، خاصة وأن هناك جهات سياسية شيعية وسنية تحاول تصفية الحسابات معه، وتدفع بقوة لإنهاء دوره السياسي.
بعد التزوير والطرد من البرلمان والتغريدة سيئة الصيت، وهذا اليقين وذاك الظن، انتهت قصة الحلبوسي، وأقفل ملفه السياسي.