مظفر مزوري
صحفي في مؤسسة كوردستان24
استفتاء كوردستان.. إحياء مشروع الدولة

مُنذُ أكثرَ مِن قرنٍ والشعبُ الكورديُ يكافحُ ويُناضلُ مِن أجلِ حُلمه في الاستقلال وطموحاته القوميةِ العادلة والمشروعة لتقرير مصيره حالهُ حال بقيةِ الشعوبِ في العالم، تعرّضَ الكوردُ لسنواتٍ طويلةٍ لأشرسَ وأوسع الحملات ضد تطلعاته وكانوا دائماً ضحيةً للتوافقات الدولية ومصالحهم، كانت طموحُ الكوردِ تصطدِمُ دائماً بمطامع السيطرةِ العثمانية والصفوية كما واصطدمت فيما بعد بشوفينية وعنصرية حُكّام العراق الدكتاتوريين، وهنا أذكُر مقولة للبارزاني الخالد الملا مصطفى الذي قاد الحركة التحررية الكوردية لعقود حيث قال إن الثورة والحرب ضد الحكومات لا يعني الحرب ضد شعوبها لأن الحكومات تذهب والشعوب باقية.
أغرقَ هؤلاء كل مطامح الكورد وتطلعاتهِ في برك الدماء، وحرموا الكورد من حقهم بالاستقلال وقيام دولة كوردية، هؤلاء اعتقدوا ويعتقدون أن أرضَ كوردستان جزءٌ من الأراضي التركية والفارسية والعربية، لذلك قام الكوردُ بثورات عديدة ضد تلك الأنظمة ليثبتوا للعالم أن الكورد هم أمةٌ عظيمة وماضون نحو تحقيق تطلعاتهم وأن هذه الأرض كوردية وليست لأي دولةٍ محتلة.
اجتمعت القِوى والأحزاب السياسية في كوردستان العراق واتفقوا على إجراء استفتاءٍ لِيُعبِرُ فيه الشعب الكوردي عن رأيه حول الاستقلال، أُجريَ الاستفتاءُ في يوم 25 أيلول 2017، كان مهندسُ الاستفتاء هو رئيس إقليم كوردستان آنذاك الرئيس مسعود بارزاني، عبّرَ الشعبُ الكورديُ عن رأيه، والتعبيرُ عن الرأي هي عملية طبيعية جداً حسب القوانين والمواثيق الدولية في كل دول العالم ولم يَكُن اختراقاً للدستور العراقي، لكن الاستفتاء قوبِلَ بحصار اقتصادي على كوردستان من قِبل حكومة بغداد وفرض حظر الطيران فضلاً عن قطع ميزانية الإقليم مسبقاً قبل سنوات من إجراء الاستفتاء.
الدستور العراقي الذي تم اقراره وتم التصويت عليه من قِبَل الشعب العراقي في إحدى فقراته يقول (إنَّ الالتزام بهذا الدستور يحفظُ للعراق اتحاده)، لم يَقُل وحدته وإنما يقول الدستور اتحاده، وهذا يعني أن الدستور يُخيّرُ ويُجيزُ الانفصال والاستقلال في حال لم تلتزم الحكومة بالدستور، الحكومة العراقية لم تلتزم بالدستور وخرقت عِدة مواد دستورية التي تَخص الكورد مثل المادة 140 التي كان من المُقرر تطبيق هذه المادة سنة 2007 ولم يتم تطبيقها من قبل حكومة بغداد، وأيضا عدة مواد دستورية أخرى تم خرقها من قبل حكومة بغداد مثل مسألة النفط والغاز والميزانية والرواتب والبيشمرگة وحصة البيشمرگة من السلاح ومواد دستورية أخرى كثيرة.
الحزب الديمقراطي الكوردستاني وبزعامة الرئيس مسعود بارزاني قاد الاستفتاء وبمشاركة بقية الأحزاب الكوردستانية وتم الاتفاق بينهم على إجراء الاستفتاء وتم تشكيل مجلس سياسي كوردستاني أعلى للتفاوض مع بغداد من أجل التوصل إلى اتفاق بين الطرفين، لكن سرعان ما ظهرت خيانة جهة محلية كوردية وهم أطراف داخل حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني الذي كان جزءاً من عملية الاستفتاء والمجلس السياسي الأعلى، حيث قاموا وبالتعاون مع ميليشيات العراق وبالتنسيق مع إيران أيضاً بإدخال هذه الميليشيات إلى كركوك من خلال الانسحاب العسكري من قبل القوات التابعة لها وفتح الطريق أمام الميليشيات العراقية وبإشراف إيراني للدخول إلى كركوك.
تم تفسير الاستفتاء بشكلٍ خاطئ، لأن الاستفتاء كان إبداءً للرأي ولم يَقُل المسؤولين الكورد أنه سيتم الانفصال عن العراق بعد يوم من الاستفتاء، وإنما قالوا وبالتحديد مهندس الاستفتاء الرئيس مسعود بارزاني أن الاستفتاء هو تعبير عن رأي الشعب الكوردي وأن عملية الانفصال عن العراق سيتم من خلال التفاوض والاتفاق مع بغداد على كل شيء، لكن حكومة بغداد وبمساعدة دول إقليمية جعلوا من الاستفتاء حُجةً لضرب الكورد من جديد كما في المرات السابقة، دخلوا كركوك بقوة السلاح وبخيانة جهات محلية كوردية وبالتنسيق مع إيران، حاولوا دخول أربيل ودهوك لكن البيشمرگة تصدّت لهجمات الميليشيات العراقية التابعة لدولة إقليمية ودحرت هجماتهم وكبدتهم خسائر أيضاً، وهذا خرقٌ أخر للدستور حيث استخدمت الحكومة العراقية وميليشياتها السلاح ضد الشعب الكوردي الذي يعتبرونه في تصريحاتهم جزءٌ لا يتجزأ من العراق والعراقيين.
ثلاثة مليون من الشعب الكوردي صوّتوا لصالح الانفصال عن العراق والاستقلال، هنا يجب التساؤل لماذا أقدم الكوردُ على الاستفتاء؟، والجواب بسيطٌ جداً وهو أن حكومة بغداد لم تحترم الدستور ولم تطبق المواد الدستورية التي تصب في مصلحة الكورد، وهذا ما جعل الكورد ان يتوصلوا إلى قناعة أنه لا يمكن الاستمرار مع بغداد، وأبسط دليل على ذلك هي معركة البيشمرگة مع تنظيم داعش، لم تقدم حكومة بغداد أي دعم مالي ولم تقدم أسلحة للبيشمرگة في معركتهم ضد هذا التنظيم المتطرف، بل بالعكس تماماً قطعوا ميزانية الإقليم ولم يدفعوا رواتب موظفي الإقليم وبنفس الوقت استقبل الإقليم أكثر من مليون نازح عراقي.
بعد كل ما ذكرناه بشكل وجيز ومختصر نحاول أن نعرض الحلول اللازمة حول كيفية العبور من هذه المرحلة، فبعد كل ما جرى وبحسب رأيي الشخصي أرى أن الحل الأمثل هو:
1- الجلوس على طاولة المفاوضات لأن ما يتم تحقيقه بالسلم لا يمكن تحقيقه بالعنف.
2- لا بُدّ من تفعيل دور السلك الدبلوماسي والعلاقات الدولية كونها تعمل على تحسين العلاقات مع العالم الخارجي مثل الدول العظمى الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي.
3- زيادة التنسيق مع المنظمات الدولية التي من شأنها إيصال معاناة الشعب الكُردي إلى العالم الخارجي.
4- والاستفادة من تجارب الدول التي حصلت على استقلالها حديثاً مثل البوسنة وتيمور الشرقية وجنوب السودان.
5- العمل على وحدة الصف الكُردي داخلياً بين الشعب والأحزاب والجهات السياسية فَبدونِ وحدة الصف الكُردي لا يُمكن أن يحقق الكُردُ حلمهم في قيام دولة كُردية.
6- إنشاء لوبي في دول الاتحاد الأوروبي والدول الأخرى من خلال الجاليات الكُردية هناك ودعمها بشكل كامل من كافة النواحي.
7- إجراء تغييرات للدبلوماسيين الكُرد في السفارات العراقية في العالم ووضع أشخاص دبلوماسيين أقوياء لتقوية علاقة الكُرد بالعالم الخارجي ومتابعة الجاليات الكُردية في الخارج.
8- جلب الشركات العالمية الضخمة للعمل والاستثمار في كُردستان.
في النهاية أقول أن أكثر من أربعين مليون كوردي لا يملكون دولة مستقلة في حين أن هناك دول نسبة سكانهم بضع عشرات من الآلاف وعندهم دولٌ مستقلة، على المجتمع الدولي والإقليمي أن ينظروا إلى مسالة حق تقرير مصير الكورد بنظرة إيجابية وأن يقرأ التاريخ الكوردي المليء بالماسي والظلم والاضطهاد والقتل، الذي مارسته أنظمة عدة ضد الشعب الكوردي لِيعلموا وبشهادة التأريخ كم عانى الكورد.