
محمد زنكنة
محرر
احتواء الاخ العاق

مع اقتراب موعد الصمت الانتخابي، والاستعداد لانتخابات برلمان كوردستان في العشرين من اكتوبر، تزداد الحملات الانتخابية للاحزاب والاطراف السياسية لاستغلال كل لحظة يتمكن من خلالها كل حزب او طرف او مشارك في هذه العملية من تغطية اكبر مساحة من اقليم كوردستان والحديث حول مشروعه الانتخابي وما الذي يريد ان يقدمه خلال الاعوام الاربعة القادمة، وخلال الحملة التي الانتخابية، وجهت اغلب الاحزاب المشاركة في الانتخابات سهامها نحو الحزب الديمقراطي الكوردستاني، دون التطرق الى اي برنامج او خطة او حتى امل من الممكن ان يقوي من مصداقية هذا الحزب وقوته الجماهيرية، بل وصلت بعض الحملات الى مستوى كيل الشتائم واستخدام الفاظ لاتليق بالعملية السياسية ولا بماضي ووزن هذه الاحزاب في التاريخ السياسي لاقليم كوردستان، واقصد هنا تحديدا : الاتحاد الوطني الكوردستاني.
لا اريد ان اكرر مايتردد عن رئيس واعضاء هذا الحزب، ومن المهم جدا ان يتبين للقاريء ما الذي يعنيه عنوان المقالة ومن هو الاخ العاق وكيف يمكن احتواؤه؟ ومن الضروري ان تكون هناك مراجعة تاريخية لمغزى هذه الجملة.
في عام 1964، حاولت مجموعة من المحسوبين على المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني احداث فجوة بين صفوف قيادة الحزب، في اجتماع عرف بـ(كونفرانس ماوَت) في محافظة السليمانية، كاولى محاولات شق الصف في صفوف ثورة ايلول، في وقت كان شباب السليمانية يدفنون وهم احياء على يد الزعيم صديق، والذي كان قائدا للواء العشرين للجيش العراقي آنذاك، وعرف بقسوته وطريقته اللا انسانية في تعامله مع شباب الكورد، الا ان هذه المحاولة فشلت وبادرت القيادة السياسية لتهدئة الاوضاع مع الحكومة العراقية وشهدت المنطقة هدنة (وان كانت لمدة قصيرة)، ليكون مبدأ البارزاني الخالد هو (عفى الله عما سلف)، تفاديا لمزيد من المشاكل، ولمراعاة التماسك الوطني والقومي الكوردي في تلك الفترة.
وفي عام 1966، وعندما كانت قوات البيشمركة تقاتل في جبال زوزك وهندرين في معارك قادها الشهيد ادريس بارزاني، شكلت ذات الزمرة بعض الافواج التابعة للجيش العراقي عرفت باسم (افواج الدفاع الوطني)، هدفها مقاتلة البيشمركة والوقوف ضد الثورة، وبعد انتهاء المعركة بتحقيق نصر ساحق على القوات المعتدية، قرر البارزاني وللمرة الثانية مسامحتهم وعادوا الى صفوف الديمقراطي معترفين بالخطأ الذي ارتكب من قبلهم، الا ان نواياهم لم تكن سليمة تجاه ثورة ايلول وقيادة البارزاني الخالد.
وبعد اتفاقية الحادي عشر من آذار لعام 1970، وفتح صفحة جديدة مع الحكومة العراقية، اصدر البارزاني وللمرة الثالثة قرارا بالعفو ضد كل من وقف بوجه الثورة، في فرصة اخرى لاحتواء وحل ومعالجة كافة المشاكل التي كانت تواجه صفوف القيادة السياسية والعسكرية في كوردستان، وسلكت الثورة ذات الطريق حتى مع الحكومة العراقية دون اللجوء الى العنف والمبادرة الى الرد بالسلاح على الرغم من اكثر من محاولة اغتيال تعرض لها البارزاني الخالد والشهيد ادريس بارزاني والرئيس مسعود بارزاني، اشهرها حادثة التاسع والعشرين من سبتمبر لعام 1971، بعد مايقارب العام ونصف العام من توقيع اتفاقية الحادي عشر من آذار.
وبعد ان نقضت الحكومة العراقية اتفاقية آذار، وهدد صدام بادخال تركيا وايران الى ملف الخلاف مع القيادة السياسية الكوردستانية، كانت اصوات الجماهير اقوى واكثر حماسة، وتعالت وهي تحمل شعار (كوردستان او الفناء)، لتبدأ شرارة الثورة من جديد، في حين ان ذات الزمرة التي تحدثنا عنها كانت تتواصل مع حكومات بغداد ودمشق وطهران، لتكون بديلا عن البارزاني وثورة ايلول، الى ان نفذ صدام تهديده وتنازل عن نصف مساحة شط العرب للجانب الايراني بعد توقيع اتفاقية الجزائر في آذار 1975، لتستغل هذه المجموعة الازمة وتعلن عن تاسيس الاتحاد الوطني الكوردستاني في ذات العام، بل وقبل خمسة ايام من توقيع الاتفاقية، وكانها كانت على علم مسبق بما سيحصل، وفي تلك الفترة ايضا، لم يبادر البارزاني الى اية ردود فعل تجاه هذه الخطوة والتي ستؤدي الى اقتتال داخلي اخوي لن تحمد عقباه.
لكن الصدمة للحكومة العراقية ولهم ايضا، كانت بقيام ثورة كولان التحررية في مايس 1976، هذه الخطوة والتي اتت بعد تقييم كامل وشامل لجميع الخطوات السياسية للحزب الديمقراطي بعد تشكيل القيادة المؤقتة، والتي اثبتت ماحصل بعد اتفاقية الجزائر، لم تكن الا كبوة مؤقتة قوت من صفوف الحزب، هذه الخطوة خلقت تشتتا في ردود افعال هذه المجموعة والتي ادت الى اتخاذ العديد من القرارات المتخبطة، هدفها الاساسي تشويه كل الخطوات التي كان يبادر بها الحزب الديمقراطي، وبذات الطريقة الهادئة كانت ردود الديمقراطي بالالتزام باحتواء الازمات والمشاكل.
وفي ثمانينيات القرن الماضي، وفي ذروة الحرب العراقية الايرانية (وسببها معلوم)، تكررت ايضا محاولاتهم لتتخذهم الحكومة كبديل عن الديمقراطي، ولم يكتب غير الفشل لهذه المحاولة على الرغم من الكثير من التنازلات التي قدمت، ليسارع الشهيد ادريس بارزاني في عام 1986 الى مبادرة للسلام الشامل في كوردستان، ووضع ميثاق الجبهة الكوردستانية والتي قادت الانتفاضة الجماهيرية في آذار 1991.
ولايمكن ان ننسى مافعله الاتحاد الوطني في تلك الفترة بعد اعتراضه على نتائج الانتخابات، حيث حل الديمقراطي في المركز الاول، يليه الاتحاد الوطني، الا ان الديمقراطي تدارك الازمة مرة اخرى وتنازل عن احدى مقاعده وشكلت الحكومة بين الحزبين بالتساوي.
واستمرت المبادرات الوطنية من قبل الديمقراطي في فترة الاقتتال الداخلي، وانتهت بتوقيع اتفاقية واشنطن لعام 1998، لتتوالى الاحداث وصولا الى مرحلة اسقاط النظام البائد وتوجه الاحزاب السياسية الكوردستانية الى بغداد في جبهة موحدة، ساهمت في صياغة الدستور، حيث لم يكن لتتحقق مطالب شعب كوردستان في هذا الدستور لولا وجود الرئيس مسعود بارزاني والذي وقف ضد كل المحاولات لحرمان هذا الشعب من حقوقه.
البارتي ايضا، كان المبادر لدعم الاتحاد الوطني الكوردستاني وحماية وحدة صفه، بعد الوعكة الصحية التي تعرض لها الرئيس الراحل جلال طالباني، بدليل زيارة الرئيس مسعود بارزاني الى السليمانية والتاكيد على ان الديمقراطي داعم قوي لقيادة الاتحاد، ليكون الرد هو خروج الاتحاد الوطني من القائمة المشتركة مع الديمقراطي وخوض العملية الانتخابية منفردا، ولن اتحدث هنا عما حصل في فترة الحرب ضد ارهابيي داعش والمبادرة الى استفتاء استقلال كوردستان وخيانة السادس عشر من اكتوبر، وماتلتها من احداث.
ومع ان التاريخ يعيد نفسه، الا ان المصلحة العامة لهذا الشعب، كانت دوما الهدف الاول والاسمى للديمقراطي، حيث ينظر البارتي للاتحاد الوطني بانه شريك سياسي، من الطبيعي ان يكون منافسا ومعارضا له ولسياساته، ولكن من الضروري ان تكون المواقف تجاه القضايا المصيرية موحدة، ومن طبيعة الحياة السياسية ان نشهد فيها عقوقا من قبل اطراف لاتتمتع بمبدأ القراءة العميقة للمستقبل وبعد النظر، وهنا ياتي الدور الحقيقي للبارتي لاحتواء اية مشكلة من الممكن ان تهدد استقرار الاقليم.
ان طريقة الحديث التي اتبعها الرئيس الحالي للاتحاد الوطني الكوردستاني، بعيدة تمام البعد عن اصول العمل السياسي، ولو كانت مفوضية الانتخابات العراقية صادقة في نواياها تجاه الاقليم، لكانت اتخذت قرارا بلفت النظر على الاقل تجاه الالفاظ والطريقة الغير لائقة، والتي يسكلها السيد بافل طالباني تجاه البارتي، والتي تبين مدى الفجوة الكبيرة في الثقافة السياسية، والمستوى الذي وصل اليه هذا الحزب، والطريقة الشعبوية والتي يراد من خلالها اثبات القوة والجدارة، على اساس هش آيل للسقوط في اية لحظة.
ولكن، ومع كل هذه الاستفزازات المتعمدة، ستكون للديمقراطي كلمته بعد انتهاء الانتخابات، ولا اعتقد بان الحزب سيوصد الابواب امام اية خطوة من الممكن ان تحافظ على وحدة الصف وتعمل على تقويته، وان احتواء الازمة التي يتسبب بها من يفترض به ان يكون اخا وشريكا، سيكون الهدف الاساس للديمقراطي للمرحلة القادمة، بمراعاة مباديء المصير والعيش المشترك، ومن المهم ان لاينسى الطرف الاخر ولا يتناسى تصرفاته، ولايبرر لها ولايبحث لها عن اسباب، ليذتكر بان الاحتواء كان ومايزال جزءا مهما من سياسة الديمقراطي، مهما كان العقوق.