من الذي يستهدف إقليم كوردستان بالمسيرات؟

من الذي يستهدف إقليم كوردستان بالمسيرات؟
من الذي يستهدف إقليم كوردستان بالمسيرات؟

تريثت كثيرا في كتابة هذه المقالة، لأنني كنت بانتظار ما ستؤول اليه نتائج اللجنة المكلفة بالتحقيق في موضوع استهداف الحقول النفطية في إقليم كوردستان، بالطائرات المسيرة، والتي مازالت اعمالها (أي اللجنة)، تراوح مكانها ودون أية نتيجة تذكر، ولهذا السبب، وبعد طول انتظار ودون أي نتيجة من اللجنة المكلفة، قررت ان اكتب تصوراتي وما سمعته، وما قرأته من المماطلات التي تعطل دوما، كل المحاولات الرامية للوصول الى الحقيقة.

اكثر من ستين هجمة بالمسيرات، تعرض لها إقليم كوردستان في هذا العام فقط، تم رصد البعض منها، واصابت الاخريات الهدف المطلوب، وهنا اقصد، الحقول والشركات النفطية، والمنشآت التي تعمل في هذا المجال، والتي تهدف اغلبها، الى توليد الطاقة الكهربائية في الاقليم بالدرجة الأساس، هذا بالإضافة الى انتاج النفط ومشتقاته للاستهلاك المحلي، ولتوفير الكمية المتفق عليها على حسب الاتفاق المبرم بين حكومتي بغداد واربيل، لضمان تمويل رواتب موظفي الاقليم والتي قطعت بقرار فردي وشخصي من رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي في بدايات عام 2014. 

بعد اكثر من زيارة قام بها مستشار الامن الوطني، وبعد التأكيد ولأكثر من مرة، ومن قبل رئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور بارزاني، ووزير الداخلية للإقليم ريبر احمد، بأن المصدر والجهة المسؤولة عن اطلاق هذه المسيرات معلومة، لكن الامر منوط بالقضاء واللجنة الخاصة المكلفة بهذا الموضوع وهي المسؤولة عن كشف فحوى التحقيق ونتائج الجولات الميدانية، تسارعت بعض الأصوات الشبة رسمية وغير الرسمية، وبعض الشخصيات التي تحمل عناوين (محللين سياسيين وامنيين او مستشارين وخبراء عسكريين)، لتبرئة الحكومة العراقية، والميليشيات الغير منتظمة في المنظومة الدفاعية العراقية والتي تهدد القائد العام للقوات المسلحة شخصيا وتتوعده بالانتقام لمواقفه التي اسمتها بـ(المتخاذلة)، والقاء اللوم وبكل استماتة على إقليم كوردستان واتهامه بالتقصير، (وعدم وجود تعاون جاد لتزويد اللجنة بالمعلومات)، دون ان يكون لها أي حديث بديل، في حين ان اللجنة الحكومية وفي اطار الصلاحيات الحصرية الاتحادية في الاختصاصات العسكرية، هي المسؤولة عن الكشف عن حقيقة الامر.

ومن خلال العديد من الاستفسارات، والبحث عن الحقائق، ومتابعة المستجدات، عبر مصادر موثوقة ومقربة من الميليشيات، توضحت لي الصورة، بان هناك محاولات (متفق عليها)، تنطلق توجيهاتها عبر المجاميع السرية المغلقة لوسائل التواصل الاجتماعي، هدفها التكتم على الحقيقة والالتفاف على الاقليم واتهامه، بانه هو من يطلق المسيرات لغرض تعطيل الاتفاق بين بغداد واربيل، والتنصل عن تسليم الكمية المطلوبة من النفط الخام، وإظهار الحكومة العراقية بانها الجانب الخير من الموضوع، وكل ذلك، بهدف صرف النظر عن المشاكل والأزمات التي يعاني منها العراق مع اقتراب موعد انتخابات مجلس النواب، والتركيز على كل ما يتعلق بإقليم كوردستان، وإقناع الرأي العام، بان إقليم كوردستان، هو من لا يريد الاتفاق، في حين ان تسليم الكمية المطلوبة من النفط والمبلغ المتفق عليه كعائدات غير نفطية، يكمن في صالح ومصلحة الاقليم، لضمان تمويل رواتب الموظفين والتي تماطل وزارة المالية بشأنها، ومازال مصير هذا الموضوع مجهولا، ولا توجد اية توقعات تبين، بان الوزارة وبشخص الوزيرة طيف سامي، جادة في حل هذا الموضوع، اذن.. اين تكمن مصلحة الاقليم في إطلاق المسيرات واصابة الحقول والشركات النفطية وإيقاف الاتفاق؟

كما قامت هذه الجهات، بتجنيد بعض الأشخاص للانتشار عبر القنوات الفضائية ومنصات التواصل الاجتماعي، وجلسات البث المباشر والندوات الاليكترونية، لتعبئة الراي العام بإطلاق التهم على إقليم كوردستان، او على الأقل، اتهام الاقليم بأنه المقصر حول هذا الموضوع، وهو الذي يتكتم عن الحقائق المتعلقة بالجهات المسؤولة عن هذه التصرفات، والبعض منهم صار يلعب على الحبلين، أي انه يريد ان يظهر لإقليم كوردستان، بان ما يقوله يعني: ان حكومة الاقليم، لديها معلومات كافية ومؤكدة، لكنها لا تريد البوح بها، (ملامة للإقليم على السكوت عن تهديدات الميليشيات)، ومن جهة أخرى، يقنع الجهة الثانية بالالتزام بما تم الاتفاق عليه، ليعود ويبرر ما يبينه من مواقف تجاه الاقليم بانها كانت (تحت التهديد الناعم، او خوفا من ان يصاب هو وذويه ومصالحه بخطر)، أي باختصار: يريدون ضمان الطرفين، وخصوصا ان حكومة الاقليم، لم ولن تبادر ابدا الى ردود فعل على وزن أفعال هذه الشخصيات، لأنها أولا وأخيرا، لن تجدي نفعا.

ولنأتي الآن الى الرد على السؤال المهم: من الذي يطلق المسيرات على الاقليم؟ 

منطقيا، لا يمتلك الاقليم مسيرات عسكرية، مزودة بقنابل او صواريخ، وتستخدم لأغراض قتالية، ومن الواضح جدا من الذي يمتلك هذه الطائرات، وماهي المصادر التي تزود هذه الميليشيات بها، ومن اين تأتي، ومن خلال الاحداثيات وبفحص اولي وبتحديد المسافة والحد الجغرافي للإطلاق والسرعة، يتوضح للجميع، بان مصدر الاطلاق، لجميع هذه المسيرات، هي النقاط العسكرية الخاصة لوحدات (تابعة للمنظومة الدفاعية العراقية، ومتحكم بها من قبل الميلشيات)، وفي ذلك هدفين، أولهما: ان تبين الميليشيات بان هناك خلافا بين جهة عسكرية رسمية ومقننة، وقوات البيشمركة، والمسؤولة عن حماية إقليم كوردستان والتي ورد ذكرها في الدستور العراقي كـ(حراس الاقليم)، والثاني: تحدي حكومتي بغداد واربيل، من قبل الميليشيات، بإثبات انها أطول يدا من الحكومة وهي التي تتحكم بالملف العسكري وهي اعلى من وزارة الدفاع والقيادة العامة للقوات المسلحة، وبذلك تشوه صورة القائد العام امام الراي العام العراقي والكوردستاني وحتى العالمي، وتبين ضعفه وعدم قدرته على ضبط القوات العسكرية، المنفلتة منها، وغير المنفلتة.

ومن خلال هذه القراءة (والتي تعبر عن وجهة نظري الشخصية)، يتضح للجميع، بان حكومة إقليم كوردستان، مازالت متريثة حول هذا الموضوع، بعد ان زودت الحكومة العراقية بكل المعلومات التي تخص الاعتداءات التي تستهدف مؤسساته، وامنه الاقتصادي، وتطوره الذي يطمح اليه (وخصوصا بعد توقيع اتفاقيات لاستثمار الغاز في الاقليم لغرض توليد الطاقة الكهربائية)، وهي تعلم جيدا من هي الجهة التي تقوم بهذه التصرفات، وما الدافع منها، ومن هم الشخوص الذين يتحكمون بهذا الموضوع، لكن الاقليم، مازال يكن كل الاحترام للحكومة الاتحادية ولاختصاصاتها وسلطاتها الحصرية، ولا تريد ان تقع تحت تأثير استفزازات الأطراف السياسية، ومن يمثلون مواقفهم في الاعلام والتواصل الاجتماعي، لتكون بتصريحاتها سببا في خلافات من الممكن ان تستغل كحجج ومبررات لاختلاق المزيد من الأزمات وتغييب الحقيقة والخروج عن الهدف الحقيقي الذي يريده الاقليم، الا وهو: الكشف عن الجهات التي تستهدف امن واستقرار مؤسسات إقليم كوردستان.

ان التجربة السياسية العراقية اثبتت، بأن المنظومة الدفاعية مازالت تعاني من ازمة الولاءات، ولا يوجد أي احترام لهذه المؤسسة، ولا يمكن التحكم بها من قبل القائد العام للقوات المسلحة، وان الأطراف التي تريد ان تستولي وعن طريق التحكم بالمؤسسة العسكرية، على العملية السياسية، هي المسؤولة وبشكل لا يقبل الشك، عن الهجمات المتكررة التي تطال إقليم كوردستان، وانها أيضا كانت مسؤولة عن التراشق الذي وقع بينها وبين الشرطة الاتحادية في اكثر من مكان في العاصمة بغداد وفي مدن أخرى من جنوب العراق، وهي التي تساهم في بث روح التفرقة والفتن في منطقة سهل نينوى وسنجار، والمتاجرة بما تعرض له المسيحيين والايزيديين، من جرائم يندى لها جبين الإنسانية، لتثبيت اقدامهم في مناطقهم والتحكم بكل مقدراتها، ولا يمكن غض النظر أيضا عما يحصل في محافظات ديالى وصلاح الدين والانبار عن طريق هذه المجاميع غير القانونية، اذن.. بات واضحا، من هي الأطراف والجهات التي تستهدف إقليم كوردستان، وما الذي تريده من العملية السياسية العراقية، ومن الذي يتحكم بها، وماهي أهدافهم.