د. محمد العرب
رئيس المركز العربي للأبحاث والرصد
سيد الجبال: حكمة البارزاني وسطحية خصومه
في دهاليز السياسة ومنظومتها الأخلاقية الحاكمة، يبرز القادة الذين لا تُقاس عظمتهم بالكلمات الرنانة أو الأفعال اللحظية، بل بالقدرة على صنع التحولات العميقة والبقاء ثابتين أمام التحديات وفي تاريخ كوردستان والمنطقة، كان مسعود البارزاني مثالاً حياً على هذا النوع من القيادة الحكيمة التي تتجذر في أعماق جبال كوردستان، وتحمل إرثاً نضالياً طويلاً وشجاعة فريدة.
حكمة البارزاني لا تأتي من الكتب أو التنظيرات البعيدة عن الواقع، بل هي نابعة من سنوات من الصمود والتجربة السياسية العميقة التي جعلته رمزاً لقوة الإرادة وحسن التدبير.
البارزاني ليس مجرد قائد سياسي، بل هو رمز يجسد معاني الشرف والكبرياء للشعب الكوردي، ففي الوقت الذي تقاذفته الأمواج السياسية العاتية والمواقف الدولية المتغيرة، ظل البارزاني ثابتاً، ملتزماً بمبادئه وأهدافه دون أن يتراجع أو يخضع لضغوط، قاد الشعب الكوردي في أصعب اللحظات، حين كانت الخيارات محدودة والأعداء كثر، وتمكن من تحويل الصعوبات إلى فرص، ومن المآسي إلى انتصارات تاريخية.
حكمة مسعود البارزاني تتجلى في قدرته على رؤية الصورة الكبرى، وعدم الانجرار وراء التصعيد العبثي أو الشعارات الفارغة. فهو يعلم أن السياسة ليست لعبة قصيرة المدى، بل هي مسيرة طويلة تحتاج إلى صبر ودهاء. قاد بوعي استراتيجية متوازنة جمعت بين السعي إلى تحقيق حقوق الشعب الكوردي وبين الحفاظ على علاقات متوازنة مع القوى الإقليمية والدولية. لم يكن يوماً متهوراً أو مندفعاً، بل عرف كيف يختار اللحظات المناسبة للتحرك والمناورة، مما جعله يفوق خصومه الذين كانوا يفتقرون إلى هذا العمق الاستراتيجي.
في المقابل، يظهر خصومه السياسيون بشكل سطحي لا يرقى إلى مستوى التحدي. فبينما ينشغلون في المزايدات الكلامية واستعراض القوة الزائفة، يظهر جلياً افتقارهم إلى الفهم العميق للسياسة ولتوازن القوى. هم أقرب إلى لاعبي الورق، يحرقون أوراقهم بسرعة دون أن يدركوا أن اللعبة الحقيقية تحتاج إلى حكمة وتخطيط طويل الأمد. إن سطحية هؤلاء الخصوم تتجلى في تصرفاتهم وردود أفعالهم العشوائية، والتي غالباً ما تكون متسرعة وغير محسوبة. فهم يسيرون في اتجاهات عشوائية دون رؤية واضحة، ويحاولون كسب تأييد جماهيري سريع بشعارات جوفاء، بينما تظل أفعالهم بعيدة كل البعد عن تحقيق الإنجازات الحقيقية.
خصوم البارزاني يفتقرون إلى البصيرة التي تميز بها سيد الجبال. فبينما يسعون إلى تضليل الناس بالشعارات المؤقتة، يفشلون في قراءة المدى الطويل للصراعات والتحولات الإقليمية. يظهرون عاجزين عن تقديم خطط بديلة أو رؤى مستقبلية، وبدلاً من ذلك، يعتمدون على الهجوم اللفظي والتكتيكات السطحية التي لا تدوم.
البارزاني، بحكمته وصموده، يظهر في كل مرة أنه قائد من طراز نادر، قائد يحمل في روحه عبق الجبال ورؤية تتخطى حدود اللحظة الراهنة. وفي كل موقف جديد، يثبت للعالم أنه سيد الموقف، بينما خصومه يظلون أسرى لسطحيتهم وضيق أفقهم. يبقى مسعود البارزاني رمزاً للحكمة والشجاعة، في حين يتلاشى خصومه في دهاليز الفشل السياسي والنسيان.