كوردستان.. موطن أقدم البشر وحاضنة الحضارات الأولى

كوردستان.. موطن أقدم البشر وحاضنة الحضارات الأولى
كوردستان.. موطن أقدم البشر وحاضنة الحضارات الأولى

تعد كوردستان واحدة من أقدم المناطق التي استوطنها البشر الأوائل في الكوكب ، وتحديداً في جبال زاغروس ، حيث يعود تاريخ الوجود البشري في هذه المنطقة إلى عشرات الآلاف من السنين، حيث تشير الأدلة الأثرية إلى أن إنسان النياندرتال عاش واستوطن كهوف شاندر الواقعة في إقليم كوردستان قبل حوالي 60,000 إلى 80,000 سنة. هذه الاكتشافات تجعل كوردستان من بين أقدم المناطق في العالم التي شهدت استيطان البشر الأوائل.

كهوف شاندر تُعد موقعاً أثرياً بارزاً في دراسة تاريخ الإنسان القديم. تم العثور في هذه الكهوف على بقايا هياكل عظمية لإنسان النياندرتال، بالإضافة إلى أدوات حجرية استخدمها هذا الإنسان في حياته اليومية. الأهمية الكبرى لهذا الموقع تكمن في كونه يقدم أدلة ملموسة على أن الإنسان القديم كان لديه وعي ثقافي واجتماعي، حيث أظهرت الحفريات أن النياندرتال كان يقوم بدفن موتاه ويستخدم الزهور في هذه الطقوس، ما يشير إلى تطور في السلوك الاجتماعي والعاطفي.

المنطقة الجغرافية التي تقع فيها كوردستان، وتحديداً جبال زاغروس، لعبت دوراً رئيسياً في تطور الإنسان البدائي. التضاريس الوعرة والموارد الطبيعية الغنية مثل المياه والحيوانات البرية، جعلت من هذه المنطقة بيئة مثالية للعيش والصيد وجمع الطعام. كما أن المناخ المعتدل نسبياً مقارنة بالمناطق الصحراوية الأخرى ساعد في دعم الحياة البشرية لفترات طويلة. مع مرور الوقت، تطورت المجتمعات البشرية في كوردستان، وتقدمت من جمع الطعام والصيد إلى الزراعة والاستقرار، ما جعل المنطقة نقطة انطلاق للحضارات المبكرة في بلاد ما بين النهرين.

إلى جانب الاستيطان المبكر، كوردستان كانت شاهدة على تطورات حضارية هامة. فعلى مر العصور، استوطن المنطقة شعوب وحضارات مختلفة، منها السومريون والآشوريون الذين أثروا في الثقافة والتجارة واللغة في المنطقة. هذه الشعوب استفادت من موقع كوردستان الجغرافي الاستراتيجي، والذي ربط بين بلاد ما بين النهرين وإيران وتركيا الحالية، مما جعل المنطقة محوراً للتبادل التجاري والحضاري.

إضافة إلى ذلك، تشير الدراسات الحديثة إلى أن المنطقة لعبت دوراً مهماً في تطور الزراعة…

شخصيا اعتقد أن جبال زاغروس قد تكون من أوائل المناطق التي تم فيها تدجين النباتات والحيوانات، مما ساهم في ظهور الزراعة كأحد أركان الاستقرار البشري. كانت كردستان إذن جزءاً من الثورة الزراعية التي غيّرت وجه التاريخ البشري.

وفي فترة تاريخية لاحقة، أصبحت كوردستان جزءاً من الإمبراطوريات الكبرى مثل الإمبراطورية الآشورية والبابلية، اللتين سيطرتا على مناطق واسعة من الشرق الأدنى. رغم أن المنطقة تعرضت للصراعات والتغيرات السياسية عبر التاريخ، إلا أن كوردستان حافظت على هويتها الثقافية الفريدة ولعبت دوراً محورياً في تطور الحضارات.

اليوم، كوردستان ليست فقط شاهدة على الماضي العريق، بل هي منطقة مليئة بالإرث التاريخي الذي يعود إلى فجر البشرية. المواقع الأثرية، مثل كهوف شاندر، تواصل تقديم رؤى جديدة حول حياة البشر الأوائل وكيف تطوروا وتفاعلوا مع بيئتهم. كوردستان ليست مجرد منطقة جغرافية في شمال العراق، بل هي موطن للتاريخ الإنساني ومرآة تعكس تطور الحضارات القديمة التي ساهمت في بناء العالم الذي نعرفه اليوم.

عندما نقول كوردستان ، ندرك تماماً أن هذا الاسم لم يكن دائماً موجوداً عبر التاريخ، فقد سبقته تسميات وجغرافيات أخرى لنفس المنطقة. ومع ذلك، فإن هذا الاسم يحمل دلالات هامة وعميقة تُشير إلى أن الكورد شعب يمتد وجودهم في أعماق التاريخ البشري. الأبحاث الأثرية والأنثروبولوجية تشير إلى أن شعوب هذه المنطقة، والتي تشمل أسلاف الكورد، كانت من أوائل من استوطن هذه الأراضي، وساهمت في تطور الحضارات الأولى. الكُرد لم يكونوا فقط سكاناً لهذه الأرض، بل لعبوا دوراً محورياً في الثقافة والتجارة وتطور المجتمعات الزراعية في المنطقة، مما يعزز فكرة أن وجودهم في هذه الجغرافيا موغل في القدم ومرتبط بظهور المجتمعات البشرية الأولى.