رمان حلبجة وكيماوي الطغاة: فلسفة الصمود والنقاء
منذ أيام دراستي الجامعية، كنت محاطاً بأصدقاء كورد، آري، إسماعيل، وآرام، أبناء كردستان العظيمة، الذين شاركوني تفاصيل الحياة البسيطة؛ كنا نأكل ونطبخ معاً، ننام في نفس الغرفة في الأقسام الداخلية، ونعيش أحلاماً مشتركة رغم اختلاف أصولنا وتوجهاتنا الدراسية، لقد كانت تلك الأيام تفتح نوافذي على عمق وروح الشعب الكردي، في كل حديث، في كل نظرة، وفي كل قصة يحكونها عن أرضهم، كنت أرى التماسك والقوة في عيونهم، تلك القوة التي تستمد من جذور تمتد بعمق في تربة كردستان، ومن ذكريات مؤلمة لكنها لا تُنسى؛ ذكريات حلبجة.
حلبجة، المدينة التي تحمل في أزهار الرمان دماء الأبرياء وشهداء النقاء، واجهت طغياناً لا يحتمله الخيال، حين ألقت يد الطغاة غازاتهم السامة المحرمة دوليا ، خيّل إليهم أنهم قادرون على كسر إرادة الشعب، على محو تاريخه وإخماد جذوره، ولكنهم نسوا أنَّ هناك شيئاً أقوى من سلاحهم، أقوى من كل القنابل والكيماويات؛ نسوا أنَّ هناك صموداً ينبع من الرغبة في الحياة، من الحب العميق للأرض.
عندما أنظر إلى ثمار الرمان في مهرجان الرمان في حلبجة، أشعر وكأنها رمز للمقاومة، كل حبة هي قصة حياة، قصة روح لم تُهزم، وذكريات رُويت بدموع الأمهات وأحلام الأطفال ، إن الرمان الذي ينمو على تلك الأرض، هو الشاهد الصامت على وحشية الطغاة وعلى قوة شعب ظل صامداً، متمسكاً بجذوره في وجه العواصف.
أذكر ليالي السمر مع آري وإسماعيل وآرام، كيف كنا نروي قصصاً عن مدننا، وكانوا يصفون كردستان بأنها أكثر من مجرد أرض؛ إنها أم حنونة، جدرانها جبال، وحقولها تنبض بالحرية، وناسها يعيشون وفاءً لا يقاس بالزمن ، فالشعب الكردي، برغم جراحه التي لا تزال مفتوحة، يقف بفخر؛ لا يحمل الحقد، بل يحمل حباً عميقاً للحياة وتقديراً للإنسان.
إن حلبجة لم تُهزم، رغم ما قد يبدو على سطحها من جراح. ففي قلبها، بين أشجارها وثمار رمانها، تنمو قصص لا يعرفها الطغاة؛ قصص تنطق بالحياة، بالكرامة، وبالإصرار. وأمام ذلك الصمود، لا يبقى للكلمات سوى أن تنحني احتراماً.
نعم، حلبجة رمز لمأساة، لكنها في الوقت ذاته، رمز لكرامة تتحدى الموت.