المسلمون بين الحدس الشرقي والمنطق الغربي
في المجتمعات التي تقدّر العلم والخبرة العملية، تتبع نهجاً علمياً لتحليل الفجوة بين التنبؤات المبنية على المناهج المنطقية والكمية، والتنبؤات المستندة إلى الحدس، يتم مزج المدرستين للوصول إلى تحليل عميق يصب في صالح الجميع، يُعتقد بلا سند علمي دقيق، أن للشرق قدرة استثنائية على التنبؤ الحدسي مقارنة بالغرب، وهو ما ينعكس في التراث الشرقي المليء بالأساطير والخوارق ويستند هذا الرأي إلى اختلاف بنية الفكر الشرقي والغربي؛ إذ يتفوق الغربيون في التنبؤ المنطقي المستند إلى النهج الأرسطي، فيما يتفوق الشرقيون في الحدس، ويعود ذلك إلى الطبيعة الثقافية والترسبات التاريخية.
الغربيون يميلون إلى معالجة المعلومات بطريقة ذاتية ومنطقية، متأثرة بتركيزهم على الفردية، فيما يتماهى الشرقيون مع الكلّية، ما يؤدي إلى الميل نحو التنبؤ الشمولي المتكامل…!
الباحث نيسبت (Nisbett) يعتبر أن لهذه التحيزات أصولاً ثقافية تعكس فروقاً في معالجة المعلومات والتفكير بين الحضارتين، حيث يرتكز الشرقي على الحدس المتولد من السياق الثقافي المتراكم، بينما يبني الغربي تنبؤاته على منطق واضح وخطوات متسلسلة ويُعتقد أن الإرث الديني يلعب دوراً في هذه الفروق، إذ يُمكن أن يساهم في تعزيز الحدس لدى الشرقيين وجعله جزءاً من وعيهم الثقافي الجمعي…
دراسة أجرتها إمبيريال كوليدج تشير إلى أن التحيزات السلوكية، وليس الذكاء العام، تؤثر بشكل رئيسي على الفجوة بين التنبؤات المنطقية والحدسية، على سبيل المثال تفوق الملحدون في اختبار التنبؤ المنطقي مقارنةً بالمجموعة الدينية الأكثر عقائدية، بينما كانت المجموعة الدينية متفوقة في التنبؤ الحدسي، مما يعكس تأثر الحدس بالاعتقادات والتجارب الروحية.
تظهر الدراسات أن المشاعر السلبية، الناتجة عن تجارب حياتية مليئة بالأزمات، تجعل الحدس أكثر حضوراً وتأثيراً ، خصوصاً في لحظات اتخاذ القرار وفي هذا السياق، يشكل المزاج المخزون في اللاوعي عاملاً مؤثراً في قرارات قد تبدو منطقية ظاهرياً، ولكنها نابعة من حدس متأثر بتجارب سابقة والحدس الداخلي يكون أقوى لدى الشرقيين، نظراً لتركيز ثقافتهم على المجردات والأفكار غير الملموسة، بينما يتميز الغربيون بحدس عملي أكثر ارتباطاً بالواقع المادي.
أظهرت التجارب أنه يمكن تحسين دقة الحدس بإعادة التجربة وهنا دراسة شملت 1500 شخص أظهرت أن 51% من الأجوبة الحدسية تحسنت عند إعادة التجربة، بينما تدهورت 25% منها وهذه النتائج تشير إلى إمكانية استخدام الحدس كمكمل للتحليل المنطقي في إطار تنبؤات متكاملة.
تسعى الجهود الحالية إلى إيجاد توازن بين المنطق والحدس لتحقيق دقة أكبر في التنبؤ. يمكن استثمار الحدس المعقد كأداة مساعدة تدعم التحليل المنطقي، مما يتيح الوصول إلى فهم أعمق للمستقبل.
مفهوم الاستشراف، هنا، ليس محاولة للتنجيم، بل للتحضير لمجموعة من الاحتمالات من خلال فهم معمق للاتجاهات الحالية واستغلال فرص المستقبل، بهذا النهج يمكن للدراسات المستقبلية أن تقدم إطارات زمنية تساعد على اتخاذ قرارات مدروسة تؤثر إيجاباً على مسار المجتمع العربي.