قراءة للمشهد الاقتصادي في سوريا الجديدة

قراءة للمشهد الاقتصادي في سوريا الجديدة
قراءة للمشهد الاقتصادي في سوريا الجديدة

التصريحات التي ادلى بها وزير الاقتصاد السوري باسل عبدالحنان منذ أيام خلال مقابلة أجريت معه و التي تناولت الوضع الاقتصادي في سوريا قدمت رؤية عامة ضبابية حول الأزمات التي تواجه البلاد وخطط التعافي وغيرها من الكلمات و الجمل التي لا يحتاجها المواطن السوري في هذه الظروف و التي مل منها الشعب السوري على مدى عقود وهي تحتاج إلى مراجعة ونقد.

ومن أبرز النقاط التي تناولتها المقابلة هي تسليط الضوء على الفساد باعتباره مشكلة هيكلية تعيق النمو الاقتصادي وضرورة التوجه نحو اقتصاد السوق الحر، و التركيز على دعم القطاعات الإنتاجية، مثل الزراعة والصناعة، واعتبارها مجالات حيوية في مرحلة ما بعد الصراع ، و إنقاذ العملة السورية، وغيرها من الرؤى و الاحلام و الأوهام التي أرسلها للشعب المنهار و الذي هو بحاجة ماسة  إلى ابسط مقومات الحياة.

تفتقر تلك المقابلة إلى تفاصيل حاسمة حول آليات التنفيذ ، فعلى سبيل المثال، الأفكار العامة مثل “إعادة الهيكلة” و”تحفيز الاستثمار”، التي ذكرت في المقابلة دون تفاصيل واضحة، تثير تساؤلات حول كيفية تحقيق هذه الأهداف في ظل القيود السياسية والاقتصادية الحالية. كما أن التعامل مع العقوبات المفروضة على سوريا، والتي تُعد عائقًا كبيرًا أمام جذب الاستثمار وإعادة الإعمار، لم يُطرح في المقابلة بشكل كافٍ، حيث اكتفت بالإشارة إلى “جهود التواصل مع الجهات الدولية” دون تقديم حلول عملية لتجاوز هذه العقوبات.

تتسم المقابلة أيضًا بتفاؤل غير مدعوم بالأدلة، خصوصًا عندما تصف سوريا بأنها “بيئة مناسبة للاستثمار”، وهو وصف يتجاهل الواقع الحالي الذي يشهد انهيارًا اقتصاديًا وأمنيًا وسياسيًا. الإشارة إلى عودة المستثمرين السوريين من الخارج تفتقر إلى توضيح كيفية توفير بيئة آمنة ومستقرة اقتصاديًا وقانونيًا، وهي متطلبات أساسية لجذب رؤوس الأموال المهاجرة.

من ناحية أخرى، تجاهلت المقابلة ضرورة تعزيز الشفافية والإصلاح المؤسسي، وهما عنصران أساسيان لأي عملية تعافٍ اقتصادي ،  فعلى الرغم من الإشارة إلى “إعادة هيكلة المؤسسات الاقتصادية”، لم تتضمن تفاصيل عن الخطوات العملية لمكافحة الفساد أو تعزيز الشفافية في التعاملات المالية والإدارية. وعند الحديث عن استعادة الأموال المنهوبة و الذهب المسروق “من فلول النظام” لم يقدم أي خطة واضحة لاسترجاع هذه الأموال  والثروات ، و اعتقد بأنها كانت محاولة لتهدئة الرأي العام و تقبله والصبر عليه .

بالإضافة إلى ذلك، بعض الحلول المطروحة في المقابلة تبدو غير واقعية ، فالإشارة إلى تحديث المصافي النفطية واستقطاب استثمارات جديدة تتجاهل التكلفة الباهظة لهذه المشروعات ومدى جدواها في ظل الوضع الراهن المبهم وعدم استقرار الحكومة و عدم وجود دستور . كما أن تثبيت سعر الصرف دون معالجة الأسباب الهيكلية للتضخم قد يؤدي إلى استنزاف احتياطيات العملات الأجنبية ( ان بقي شيئا منها )  بدلًا من تحقيق الاستقرار المطلوب، وهو ما يُعد طرحًا غير عملي بالنظر إلى تعقيد الأزمة.

الإصلاح الاقتصادي يتطلب بيئة سياسية مستقرة، وهو ما لم تتطرق إليه السيد الوزير بشكل كافٍ ، فغياب الاستقرار السياسي يحد من إمكانية تطبيق أي خطط اقتصادية ناجحة ، والتركيز على الإنتاج المحلي والتصدير، رغم أهميته، يتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية والقطاعات الإنتاجية، وهو أمر صعب التحقيق في ظل العقوبات ونقص الموارد ، كما أن فتح السوق للتداول بالدولار والليرة التركية، كما أشار إليه السيد الوزير، يعكس ضعف الثقة في الليرة السورية، ما يتطلب جهودًا كبيرة لاستعادة الثقة في المؤسسات النقدية.

كان من الأفضل تقديم استراتيجيات عملية مدعومة ببيانات واضحة ومؤشرات زمنية لتحقيق الأهداف الاقتصادية. كما يجب التركيز على وضع خطط شفافة لمكافحة الفساد وإصلاح المؤسسات الحكومية، بالإضافة إلى طرح استراتيجية متكاملة للتعامل مع العقوبات عبر التعاون مع دول ومنظمات دولية لإيجاد حلول مؤقتة ، ونشر بيانات دقيقة حول الموارد الاقتصادية الحالية والاحتياجات المستقبلية يمكن أن يساعد في بناء الثقة محليًا ودوليًا، مع الاستفادة من التجارب الدولية لدول أخرى مرت بأزمات مشابهة ونجحت في التعافي الاقتصادي.

بناءً على ما سبق، يمكن القول إن وزير الاقتصاد الحالي قدم طروحات أولية لمشاكل الاقتصاد السوري التي يعرفها الناس أصلا ، لكنه أفتقر إلى العمق في التحليل والتفاصيل العملية الضرورية ، و التفاؤل الذي يبديه الوزير يبدو مفرطًا في ظل التحديات القائمة، لذلك يجب أن تتسم الخطط الاقتصادية بالواقعية والشمولية مع التركيز على تعزيز الشفافية وإشراك المجتمع الدولي لتحقيق نتائج ملموسة ومستدامة ، و في النهاية تلك المقابلة مؤشر واضح بإن الاقتصاد السوري متجه نحو المجهول المرتبط بالوضع السياسي الغير مستقر و المبهم .