
شيروان الشميراني
كاتب
سؤال الإصلاح الأمني في العراق

في خضم ملفات الفساد العالقة في العراق منذ عقدين وفشل الجميع في إصلاح الوضع على وجه التقريب، ومع بروز الملفات المتعددة بالتوالي في سرقة المال العام وعجز الهيئات المعنية في أداء الواجب، برز إلى الوسط السياسي والإعلامي عنوان جديد وهو "الإصلاح الأمني"، هذا التابلوه الذي سيأخذ من التغطية والجهود الكثير ويتفلسف تحت ظله الكثير من أصحاب الالسن ليجعل من نفسه بطلا كما كان في ملفات الفساد السابقة، يرِد في ظروف تخضُّ الشرق الأوسط خضّاً، ويستحيل الفصل بينه وبين الاحداث الراهنة، بمعنى هو ليس وليد التفكير الذاتي الراغب بقدر ما يعكس الأنين تحت ضغط الواقع الحاضر، على أية حال، نذكر ثلاثة نقاط هنا على وجه العجلة: -
1- الزيارة السابقة لوزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن" ولقائه برئيس الحكومة محمد شياع السوداني، في اللقاء كان التخاطب بين الرجلين واضحاً ومن جانب بلينكن على وجه الخصوص، يبدو ان الرجل وضع امام السوداني باعتباره رئيسا للحكومة خيارات عليه إتخاذ قرارات بشأنها قبل مجيء دونالد ترمب إلى البيت الأبيض لأن ترمب لا يعرف المزاح، وأنه حذّر من تداعيات تحركات الفصائل المسلحة التي تتحرك خارج سياسة الدولة الرسمية، هذه المجموعات التي تقصف إسرائيل باعتبارها دولة محتلة لاراضي فلسطينية، ومن يعلم التعاطي الأمريكي مع الوضع العراقي وما تريده منه وما تنتظر من مكاسب استراتيجية من حضورها في العراق، يعل إنها منعت إلى الآن القيادة الإسرائيلية من قصف مقارّ تلك المجموعات داخل الأراضي العراقية، لكن في حال الاستمرار فلن يمنع ترمب نتنياهو من الهجوم على العراق او قد يقوم هو بشنه، لهذا على العراق أن يتصرف.
2- ما تردد خلال الأسابيع الماضية من حديث عن حلّ هيئة الحشد الشعبي كمطلب أمريكي وضرورة يراها بعض العراقيين، ومع أن الحشد أصبح مؤسسة قانونية لكن مازال يتمتع بشبه استقلالية في الحركة داخل العراق، وأن السياسيين الذين يملكون كتائب وألوية داخله يستخدمونه من أجل السطوة السياسية لممارسة الضغط على الحكومة والتأثير على سياساتها، خاصة إن المال كثير بين أيديهم، المناطق السنية – العربية والكوردية- بالإضافة إلى عديد من النخب الشيعية يرون ان الحشد قد أدى ما عليه، وأن المؤسسة العسكرية النظامية – وزارتي الدفاع والداخلية- أصبحت قادرة على مواجهة التحديات الأمنية المزمعة، فلابأس من تذويب عناصر الحشد داخل الوزارتين تلك، الموصليون الذين يرون هذا الرأي يستشهدون بسلوكيات حشد الشبك أو الكلدانيين في التدخل في الشؤون المدنية للمحافظة وممارسة الضغط العسكري لنيل ما يريدونه من الآخرين. ومن هؤلاء من هو مدرج في لائحة الإرهاب الأمريكي ومطلوب من واشنطن.
3- القادة العراقيون من الإطار التنسيقي الشيعي الحاكم على وجه التحديد، كانوا قلقين من تمدد الوضع في سوريا إلى العراق، كما كان النظام السوري السابق قلقا من تمدد الوضع العراقي إلى سوريا في 2003، وكانوا قلقين جداً من أن يصبح رجل كان مسجوناً لديهم رجل سوريا القوي وقائدها، لهذا كانت التصريحات متشنجة في بداية التغيير في سوريا، هناك من أبدى استعداده للمشاركة في الحرب دفاعاً عن العراق وان استوجب الأمر الدخول إلى الأراضي السورية، لكن الخوف من التبعات المدمرة لحاضر العراق ومستقبله وضع رئيس الحكومة في حالة الإنذار الأحمر، حاول الرجل مستعينا بسياسيين معتدلين متفهمين عرباً وكورداً تجنيب البلاد من الدخول في حرب هي ليست حربها، وقد نجح إلى الآن في مسعاه، وإضافة إلى ذلك فقد قام بأمرين آخرين: -
الأول: إبعاد الفصائل المسلحة التي تحمل عناوين لا تتفق مع الحالة العسكرية الرسمية من الحدود العراقية السورية، وتمركز القوات التابعة لوزارة الدفاع في مواقعها، وساعد هذه الخطوة في إذابة القلق السوري من هؤلاء المسلحين وكذلك الجانب الأمريكي وهو استغلال جيد لبسط سيطرة القوات النظامية على الأرض كلها.
الثاني: إطلاق ما سماه ب "الإصلاح الأمني"، وفي مراسيم احياء يوم الشهيد في العراق – يوم استشهاد محمد باقر الحكيم- بتفجير سيارة مفخخة في مدينة النجف، وحسب ما قاله فإن لجنة تشكلت برئاسته للقيام بإصلاح المؤسسة الأمنية، والإصلاح يقابل الفساد في اللغة، ربما هذا اعتراف رسمي بوجود فساد أمني، لكن من دون الدخول في تفاصيل عمل هذه اللجنة الخاصة وأبعاد عملها ونوع الفساد، فهل يشمل المجموعات المسلحة التي تأتمر بقيادة عابرة للحدود؟ الذين يرفعون شعارات وصور شخصيات لايتبناها النظام الرسمي في العراق، من الخبراء من يقول إن هذه الفصائل تتبع ولاية الفقيه وليس رئاسة الحكومة العراقية.
لهذا فمن منظورنا إن نجاح هذا الإصلاح الأمني بحاجة إلى التفاهم مع إيران أولاً، إيران النظام وليس إيران الحكومة، ومع المرجعيات الدينية في النجف، ومع القادة المتنفذين من الإطار التنسيقي الحاكم، لكن ما يحتاجه السيد السوداني أيضاً هو الالحاح الأمريكي للقيام بشيء تجاه المسلحين يجنب العراق من الضربات التي قد تطيح بالتفاهم الاستراتيجي بينهما.
هذا الضغط يساعد الحكومة على تنفيذ أجنداتها في هذا المجال لتوظيفها في حواراته مع المستهدفين، لكن ليس هذا كل شيء، فالإصلاح الأمني بحاجة إلى منهجية علمية عسكرية قانونية مدروسة تنتج ثمرتها على مدى متوسط وبعيد وليس على المدى القريب، لان الفساد في المؤسسة العسكرية جزء من الفساد الذي يغشى العراق براً وبحراً وجوّاً، ومازال محاربة الفساد شعار تحمله كل الحكومات المتعاقبة، ربما هي الملف الوحيد الذي يتم تداوله بين الحكومات تداولاً سلمياً.