
د. سامان سوراني
أكاديمي كوردي
من إدارة الأزمات إلى بناء المستقبل: قراءة في إنجازات الكابينة التاسعة بقيادة مسرور بارزاني

في مشهد سياسي وإقليمي معقّد، برزت الكابينة التاسعة لحكومة إقليم كوردستان، برئاسة مسرور بارزاني، بوصفها نموذجاً للإدارة الرشيدة والتخطيط بعيد المدى.
فمنذ تسلّمه المنصب في 10 حزیران 2019، أطلق السيد مسرور بارزاني العنان لحزمة إصلاحات استراتيجية طالت جميع مفاصل الحكم، لتكون الكابينة التاسعة علامة فارقة في مسيرة الإقليم السياسي والاقتصادي، حیث قاد الحكومة برؤية إصلاحية شاملة، هدفها الأساسي تأسيس بنية تحتية قوية تُمكّن كوردستان من التقدّم بثبات نحو مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً. فالتشکلية التاسعة لحکومة إقلیم كوردستان أهتمت إهتماماﹰ کبيراﹰ بالبنية التحتية، إذ قامت بتشييد السدود و البحيرات و نفذت عشرات المشاریع في مجال الأمن الغذائي و القطاع الصناعي و بناء الطرق العامة والمواصلات، ومن جملة هذه الإصلاحات:
أولًا: إصلاحات مالية وإدارية في قلب المشروع الحكومي
وضعت الكابينة التاسعة الإصلاح الإداري والمالي في صلب أولوياتها، فتبنّت نظام الدفع الإلكتروني للرواتب وفعّلت آليات الحوكمة والشفافية، مما أسهم في تقليص الهدر ومكافحة الفساد.
وأكد السيد مسرور بارزاني في أكثر من مناسبة أن "الإصلاح ليس خياراً، بل ضرورة وطنية"، وهو ما ترجمته حكومته بخطوات عملية، وليس بشعارات فقط.
وفیما يخص إقرار استراتيجية شاملة للتحول الرقمي و إنشاء نظام الرواتب الرقمية المستند إلى الهوية الرقمية، باستخدام مركز البيانات للدفع الإلكتروني أو ما تسمی بـ"ماي اكّاونت"، ففي شباط عام 2023، أطلقت حکومته مشروع "هەژماری من" ، وهو برنامج شامل يقدّم وسيلة آمنة وشفافة لصرف رواتب الموظفين والمتقاعدين بشكل الکتروني. ففي خطاب رسمي قال السيد مسرور بارزاني: “الحكومة ستكون الحافز الأول لتحديث النظام المصرفي، وتوسيع الصرافات الآلية لتسريع الخدمات وخلق بيئة تنافسية بين البنوك.” الیوم أصبح أكثر من 900 الف مواطن و موظف حکومي صاحب حساب مصرفي الکتروني خاص بە.
ثانياً: الاستثمار في البنية التحتية والتنمية المستدامة
رغم التحديات المالية وجائحة كورونا، أطلقت الحكومة مشروعات استراتيجية في قطاعات الطرق، الكهرباء، والمياه، وشهد الإقليم تحسناً ملحوظاً في الخدمات الأساسية. كما تم التركيز على المناطق النائية والمهمشة، ما يعكس توجهاً عادلاً في توزيع مشاريع التنمية.
بحلول تموز من هذا العام، تم عن طريق مشروع "روناکي" إيصال الكهرباء بشکل مستمر إلى أكثر من ملیوني مستخدم في المدن الکبری من الإقلیم، ضمن مسعى لتحسين الشبكات الكهربائية وتوفير خدمات أكثر استمرارية، بهدف بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الانقطاعات و ایصال هذه الخدمة في نهاية عام 2026 الی جمیع مواطني الإقلیم.
أما اليوم فقد شاهدنا مراسيم تدشين المرحلة الأولى من المشروع الاستراتيجي أو مايسمی بمشروع الإمداد السريع لمياه الشرب في أربيل، هذا المشروع يوفر لثلاثة عقود دعم مياه الشرب لمدة 24 ساعة، الذي ينفذ من قبل شركة محلية وبالتعاون مع أيادي عاملة محلية، إذ يأتي هذا المشروع کاستجابة لأزمة مياه حادة شهدتها مدينة أربيل في السنوات الأخيرة، ناجمة عن التغير المناخي، قلة الأمطار، انخفاض مناسيب المياه الجوفية، والتوسع العمراني المتسارع في العاصمة أربیل.
ثالثًا: تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط
في ظل الاعتماد الكبير على عائدات النفط، سعت الكابينة التاسعة إلى تحفيز الاقتصاد المحلي عبر تشجيع القطاع الخاص، وتوفير بيئة قانونية وتشريعية جاذبة للاستثمار. تم دعم قطاعات الزراعة، السياحة، والصناعة، بما يعزز الأمن الغذائي ويفتح آفاقاً جديدة لفرص العمل.
رابعًا: ملف الطاقة، من الاستهلاك إلى الإنتاج
حرصت الحكومة على استثمار موارد الطاقة في الإقليم بشكل أكثر كفاءة، وتوقيع اتفاقيات تعاون مع الشركات العالمية، بما يعزّز من مكانة كوردستان كمركز إقليمي للطاقة.
في 19 مايس 2025، أشرف رئیس الحکومة السيد مسرور بارزاني على توقيع اتفاقيتين مع شركتي HKN Energy و WesternZagros الأمریکیتین بقيمة إجمالية تبلغ 110 مليار دولار لتطوير حقلَي ميران و توبخانە-کوردمیر، هذه الاتفاقات تعد إنجازاً مفصلياً في ملف الطاقة، حیث یتم من خلال هذه الاتفاقات التركيز على تحسين البنية التحتية للطاقة الكهربائية والغاز الطبيعي، وهو ما ينعكس إيجاباً على الخدمات المقدّمة للمواطنين.
خامسًا: العلاقات الاتحادية والدولية
على الصعيد الدبلوماسي، انتهج السيد مسرور بارزاني سياسة انفتاح عقلاني، حافظت على مصالح الإقليم مع بغداد، دون التفريط في حقوقه الدستورية. كما تعزّزت العلاقات مع الدول الإقليمية والغربية، خاصة في ملفات الطاقة، الأمن، والتعليم، وهو ما أسهم في توسيع الحضور الدولي للإقليم، بالإضافة إلى فتح قنوات تواصل دولي تحققت عبر الزيارات المتتالية لمسؤولين غربيين الی الإقلیم. هذا الدور الدبلوماسي الذي یلعبه السيد مسرور بارزاني عزز من مكانة إقليم كوردستان ككيان سياسي فاعل في المنطقة.
سادساً: التعليم ورؤية الجيل القادم
تبنّت حكومة السيد مسرور بارزاني رؤية استراتيجية لتطوير التعليم، ترتكز على التحديث البنيوي للمناهج، وبناء المدارس الحديثة، فخلال عام 2024، كثّفت الحكومة جهودها في قطاع التعليم، بترميم وبناء مدارس جديدة، وكذلك توسيع نطاق الجامعات في الإقليم لتعزيز مكانة كوردستان كمركز علمي في المنطقة، حیث تم دعم الابتكار والبحث العلمي، وتمكين الشباب عبر مبادرات ريادة الأعمال، ليكونوا فاعلين في رسم مستقبل كوردستان.
لقد أثبتت الكابينة التاسعة بقيادة السيد مسرور بارزاني أنها أكثر من مجرد مرحلة حكومية عابرة، بل مشروع وطني يسعى لتثبيت أسس دولة مؤسسات، واقتصاد متنوع، ومجتمع أكثر عدالة واستقرارا، فهو قادر علی على تحويل التحديات إلى فرص.
وإذا كان بناء الدول يبدأ من الرؤية والإرادة، فإن ما تحقق حتى الآن في الإقلیم هو شهادة حية على أن القيادة الکورستانية تضع مصلحة كوردستان فوق كل الإعتبارات.