
د. دژوار سندی
أكاديمي ومتخصص في القانون
إقليم كوردستان.. مسيرة التنمية بين الإنجازات والتحديات

شهد إقليم كردستان العراق تطوراً اقتصادياً واجتماعياً ملحوظاً خلال العقود الأخيرة، حيث استطاع توظيف موارده الطبيعية والمالية والبشرية لتحقيق تقدم تنموي ملموس. وعلى الرغم من الظروف السياسية والأمنية المعقدة، فإن الإقليم تمكّن من ترسيخ أسس نمو اقتصادي متعدد القطاعات، مع تطوير بنيته التحتية ورفع مستوى الخدمات المقدمة لسكانه.
غير أن هذه المسيرة التنموية تواجه جملة من التحديات الجوهرية التي تعيق تحقيق الإقليم لإمكاناته الكاملة. وتتنوع هذه التحديات بين عوامل داخلية تتعلق بالظروف السياسات المحلية، وعوامل خارجية مرتبطة بالعلاقة مع الحكومة الاتحادية العراقية وبالدول الإقليمية. تهدف هذا المقال إلى تحليل مسيرة التطور في الإقليم، مع التركيز على العوامل المعيقة وآفاق التطور المستقبلية.
أولاً: مظاهر التقدم التنموي في الإقليم:
1. النمو الاقتصادي وتنوع القاعدة الإنتاجية:
تمكن الإقليم من تحقيق معدلات نمو اقتصادي إيجابية، حيث أسهم قطاع النفط والغاز في توفير موارد مالية مهمة. كما شهدت السنوات الأخيرة توجهًا نحو تنويع الاقتصاد عبر تطوير قطاعات الزراعة والسياحة والخدمات، مما مهد الطريق في التقليل من الاعتماد الأحادي على الموارد النفطية.
2. تطوير البنية التحتية: استثمرت حكومة الإقليم بشكل كبير في مشاريع البنية التحتية، حيث تم تطوير شبكات النقل والمواصلات، وتحسين أنظمة توفير الكهرباء والمياه. كما حظي قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات باهتمام خاص، مما ساهم في تهيئة بيئة مناسبة لجذب الاستثمارات.
3. الاستثمار في رأس المال البشري: أظهر الإقليم التزاماً واضحاً بتوسيع وتطوير مجالات التعليم العالي والتدريب المهني، حيث تعددت المؤسسات التعليمية وارتفعت معدلات الالتحاق بالتعليم. وساهمت هذه السياسات في إعداد كوادر اكاديمية مؤهلة تسهم في دفع عجلة التنمية المستدامة.
ثانياً: التحديات التي تواجه عملية التنمية:
1. التحديات السياسية الداخلية:
تعاني الساحة السياسية في الإقليم من انقسامات حزبية عميقة تؤثر على استقرار العمل المؤسسي. وقد أدت هذه الانقسامات إلى تعطيل العديد من المشاريع التنموية وإضعاف التنسيق بين مختلف مؤسسات الحكم.
2. العلاقة مع الحكومة الاتحادية:
تظل مسألة توزيع الموارد المالية، وخاصة عائدات النفط، نقطة خلاف جوهرية بين أربيل وبغداد. هذا الخلاف يحد من قدرة الإقليم على التخطيط المالي طويل الأمد ويعيق تنفيذ المشاريع التنموية الكبرى.
3. التدخلات الإقليمية:
يواجه الإقليم ضغوطاً من دول الجوار التي تنظر بتوجس إلى أي تطور في وضع الإقليم السياسي أو الاقتصادي. تظهر هذه الضغوط عبر وسائل متعددة تشمل العقوبات الاقتصادية غير المباشرة ودعم القوى المعارضة.
4. التحديات الأمنية الخارجية:
رغم التحسن النسبي في الأوضاع الأمنية، فإن الإقليم لا يزال يعاني من تهديدات خارجية متقطعة تنعكس سلباً على مناخ الاستثمار والتنمية الاقتصادية.
ثالثاً: آفاق المستقبل وإمكانات النمو:
يمتلك إقليم كردستان مقومات تؤهله للعب دور اقتصادي إقليمي مهم، لاسيما في مجالات الطاقة والتجارة والخدمات. ويتطلب تحقيق هذه الإمكانات معالجة جملة من القضايا:
- تعزيز الاستقرار السياسي الداخلي عبر الحوار بين الأطراف السياسية.
- إيجاد صيغة عمل مشترك مع الحكومة الاتحادية تحفظ حقوق الإقليم.
- تنويع الشركاء الاقتصاديين الدوليين لتخفيف الضغوط الإقليمية.
- تعزيز البيئة الأمنية لجذب الاستثمارات الأجنبية.
الخاتمة:
تشير تجربة إقليم كردستان إلى قدرة ملحوظة على تحقيق تقدم تنموي رغم التحديات السياسية والأمنية. ويبقى نجاح الإقليم في تحقيق إمكاناته الكاملة مرهوناً بقدرته على معالجة الإشكاليات الداخلية وإدارة علاقاته مع الأطراف الإقليمية والدولية بشكل متوازن. إن التغلب على هذه التحديات سيحول الإقليم إلى نموذج للتنمية في المنطقة، ومركز اقتصادي إقليمي مؤثر.