مسيرات مجهولة وراءها رسائل سياسية وأمنية خطيرة

مسيرات مجهولة وراءها رسائل سياسية وأمنية خطيرة
مسيرات مجهولة وراءها رسائل سياسية وأمنية خطيرة

في تطور بالغ الخطورة، شهد إقليم كوردستان العراق منتصف يوليو 2025 سلسلة هجمات متتالية بطائرات مسيّرة مجهولة، استهدفت خمسة من أبرز الحقول النفطية، ما أدى إلى تعطيل أكثر من 220 ألف برميل يومياً من الإنتاج النفطي، وفقاً لتقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش". وبذلك، انخفض الإنتاج بنسبة تقارب 70%، في ضربة قاسية للبنية التحتية الاقتصادية التي يعتمد عليها الإقليم لتأمين الرواتب والخدمات العامة.

الهجمات، التي استمرت من 14 إلى 16 يوليو، لم تسفر عن خسائر بشرية، غير أن آثارها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية كانت بالغة. فإلى جانب الخسائر المادية، والمقدرة بنحو 10 ملايين دولار يومياً، تسببت في تعميق أزمة الرواتب في الإقليم، حيث لم يتسلم الموظفون رواتب شهري يونيو ويوليو، رغم بدء صرف رواتب مايو بعد اتفاق هش توصلت إليه بغداد وأربيل مؤخراً.

 

الميليشيات بين الاتهام الرسمي والغموض السياسي

رغم عدم إعلان أي جهة مسؤوليتها عن هذه الهجمات، فإن مسؤولي حكومة إقليم كوردستان أشاروا بوضوح إلى "الميليشيات المدعومة من بغداد" كمنفذ محتمل، في حين لم تعلن الحكومة الاتحادية حتى الآن نتائج تحقيقاتها. ويبدو أن الأمر يتجاوز الخلاف المالي بين المركز والإقليم إلى صراع أكثر تعقيداً في البنية السياسية والأمنية العراقية.

في هذا السياق، قال جو ويلسن، عضو الكونغرس الأمريكي، إنه سيعمل على تصنيف بعض الميليشيات العراقية كمنظمات إرهابية، مؤكداً أن هذه الجماعات "تستخدم أموال دافعي الضرائب الأمريكيين في بغداد لتمويل الهجمات على كوردستان والقوات الأمريكية وزعزعة استقرار المنطقة". وشدد ويلسن على ضرورة وقف التمويل الأمريكي لبغداد ما دامت تُمكّن هذه الجماعات من العمل بحرية.

 

لجان تحقيق... ولكن دون نتائج

وعلى الصعيد المحلي، وصلت لجنة أمنية مشتركة من بغداد إلى أربيل برئاسة مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي للتحقيق في الهجمات. وأكد الأعرجي خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير داخلية الإقليم، ريبر أحمد، أن "الهجمات تُسيء لسمعة العراق وتلحق ضرراً باقتصاده"، مشيراً إلى التزام الحكومة العراقية بمحاسبة المسؤولين. ومع ذلك، أبدى وزير داخلية الإقليم تشككه، قائلاً إن "لجاناً مشابهة شُكلت في السابق وتوصلت إلى نتائج، لكن دون أي خطوات تنفيذية".

وقد رفعت اللجنة توصياتها إلى القائد العام للقوات المسلحة، رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي أمر بفتح تحقيق عاجل، لكنّ مصير هذه التوصيات يبقى مجهولاً وسط تشكيك الشارع الكوردي بجدية الحكومة في كبح جماح الميليشيات.

 

تكرار الهجمات وغياب الردع

تأتي هذه الهجمات ضمن سلسلة بدأت منذ عام 2023، واستهدفت بشكل خاص حقل خور مور للغاز – المورد الرئيسي للكهرباء في الإقليم – وتكررت تسع مرات على الأقل، كان أخطرها في أبريل 2024، حيث قُتل أربعة عمال.

ويُعد استهداف منشآت النفط والغاز في كوردستان تطوراً خطيراً في أدوات النزاع السياسي – الاقتصادي بين بغداد وأربيل. إذ لم يعد الصراع يقتصر على قنوات التفاوض والضغوط المالية، بل امتد إلى تخريب البنية التحتية الحيوية للإقليم، وتهديد استقراره الاجتماعي.

 

خلاصة المشهد: اقتصاد مُستهدف ودولة عاجزة

أمام هذا المشهد المعقد، يبدو أن استهداف المنشآت النفطية لم يكن حدثاً معزولاً، بل رسالة سياسية بأدوات عسكرية، تقوّض استقرار إقليم كوردستان وتدفعه نحو أزمة مالية – أمنية مركبة. وبين عجز الحكومة الاتحادية عن ضبط الميليشيات، ومحدودية تأثير اللجان المشتركة، وتعثر الاتفاقات المالية، تبرز ضرورة مراجعة شاملة للعلاقة بين المركز والإقليم، تقوم على حماية الأمن المشترك وليس معاقبة الشريك السياسي عبر أذرع مسلحة.

فهل ستبقى هذه الهجمات بلا محاسبة؟ أم أن الرد سيكون عبر تدويل القضية وتفعيل الدعم الدولي لحماية الاستقرار في كوردستان؟ الأيام القادمة وحدها تحمل الجواب.