الأقليات السورية بين مطرقة السلطة الجديدة ومخاوف المستقبل

الأقليات السورية بين مطرقة السلطة الجديدة ومخاوف المستقبل
الأقليات السورية بين مطرقة السلطة الجديدة ومخاوف المستقبل

منذ أن تسلّم الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، السلطة العليا في سوريا بعد انهيار النظام السابق، دخلت البلاد مرحلة انتقالية تحمل الكثير من الغموض. فبينما يسوّق الشرع نفسه للعالم بوصفه زعيمًا براغماتيًا يقود «سلطة انتقالية» نحو الاستقرار، تعيش الأقليات السورية حالة من القلق العميق، إذ تخشى أن تتحوّل هذه المرحلة إلى نسخة جديدة من الحكم الأحادي المطلق، ولكن هذه المرة بغطاء مختلف.

إرث الشك والخوف

الأقليات السورية – من مسيحيين، دروز، إسماعيليين، كورد، وحتى بعض مكوّنات الطائفة العلوية – لا تنظر إلى الواقع الجديد بطمأنينة. الإرث الطويل من القمع والتوظيف السياسي جعلها متوجّسة من أي سلطة مركزية. وإذا كان النظام السابق قد استغل الأقليات كواجهة لتبرير بقائه، فإن السلطة الحالية بقيادة الشرع تثير خوفًا مضاعفًا، لأنها نشأت من تنظيم جهادي سابق، وتحوّلت بسرعة إلى سلطة أمر واقع تسيطر على مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية.

هيمنة مطلقة باسم «الانتقال»

منذ تشكيل «الحكومة الانتقالية» الجديدة، بدا واضحًا أن الشرع يسيطر على مقاليد الحكم بسلطات شبه مطلقة: تعيين الوزراء، حل المؤسسات، الإشراف على الجيش والأمن، وإدارة الملف السياسي. وبالرغم من رفع شعارات تتحدث عن بناء «دولة مؤسسات»، فإن البنية الداخلية للسلطة ما زالت محصورة في دائرة ضيقة من قيادات هيئة تحرير الشام المقرّبين من الشرع. هذه التركيبة تجعل الأقليات تشعر أنها خارج المشهد تمامًا، وأنها مُجرّد ورقة سياسية يمكن استدعاؤها في اللحظة المناسبة لتجميل صورة السلطة أمام الخارج.

الأقليات بين الولاء القسري والخوف من الانتقام

السلطة الحالية تفرض على الأقليات خيارًا قاسيًا: إما إظهار الولاء العلني والانخراط في خطاب «الوحدة الوطنية» الذي تطرحه الحكومة الانتقالية، أو مواجهة ضغوط أمنية واجتماعية قاسية. وفي المقابل، تدرك الأقليات أن أيَّ تسوية مستقبلية أو تغيير سياسي قد يضعها في موقع الاتهام كشريك في حكم الشرع، تمامًا كما حُمّلت سابقًا مسؤولية «التحالف» مع نظام الأسد. هذا الشعور بالوقوع بين مطرقة السلطة وسندان المعارضة المحتملة يعزز الخوف من الحاضر والمستقبل معًا.

الاقتصاد الحربي والابتزاز المعيشي

إلى جانب الاعتبارات السياسية، هناك بعد آخر يفاقم القلق: الاقتصاد. فالسلطة الحالية ورثت اقتصادًا مدمّرًا، لكنها أعادت إنتاج نموذج «اقتصاد الحرب» القائم على الضرائب، الجبايات، والاحتكار. بالنسبة للأقليات الصغيرة عدديًا والمحصورة جغرافيًا، يشكّل هذا الوضع ضغطًا مضاعفًا، إذ تصبح أكثر عرضة للابتزاز المعيشي، سواءً في الحصول على الغذاء أو الكهرباء أو حتى في فرص العمل. الخوف هنا ليس فقط من البطش الأمني، بل من الجوع والتهجير.

صورة متناقضة في الخارج

يسعى أحمد الشرع إلى تقديم نفسه للعالم كزعيم مختلف عن صورته القديمة كقائد جهادي. لقاءاته مع مسؤولين أجانب وتصريحاته حول حماية الأقليات وحقوق المرأة تأتي في هذا الإطار. لكن في الداخل، ما يزال الواقع مختلفًا: الأجهزة الأمنية مهيمِنة، والمجتمعُ المدنيُّ ضعيفٌ، والمعارضة السياسية مقيّدة. هذه التناقضات تجعل الأقليات أكثر حذرًا، لأنها تدرك أن خطاب الخارج لا ينعكس بالضرورة على أرض الواقع.

الخوف من إعادة إنتاج الاستبداد

الخطر الأكبر بالنسبة للأقليات لا يكمن في الإجراءات اليومية فقط، بل في المستقبل البعيد. فمع تركيز السلطة بيد الشرع وغياب أي ضمانات دستورية أو مشاركة فعلية لبقية المُكوّنات، تتشكّل ملامح حكم فردي جديد. الأقليات تخشى أن تتحول «المرحلة الانتقالية» إلى مرحلة دائمة، وأن تجد نفسها مرة أخرى رهينة نظام مركزي قمعي، لكن هذه المرة محمّل بخطاب ديني – سياسي يثير مخاوف إضافية.