
زوراب عزيز
كاتب كوردي
التوازن الصعب لكورد سوريا: بين الفرصة والتحديات

يشهد الوضع السوري بعد سنوات من النزاع تحولاً حذرًا على الصعيد السياسي، حيث برزت قضية الكورد مجددًا كعنصر مركزي في الحوار الوطني وإعادة بناء الدولة. في ظل التغيرات الأخيرة التي طرأت على الحكومة الانتقالية واتفاقياتها مع قوات سوريا الديمقراطية، يقف الكورد أمام مرحلة حرجة تمثل توازنًا صعبًا بين انتزاع حقوقهم التاريخية، ومواجهة مخاطر التهميش أو التضحية بمطالبهم ضمن صفقات إقليمية ودولية.
الاعتراف الجزئي والقلق المستمر
شكل الاتفاق الأخير بين الحكومة الانتقالية وقيادة قوات سوريا الديمقراطية على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية الكوردية ضمن مؤسسات الدولة خطوة بارزة، إذ يمثل اعترافًا عمليًا بوجود الكورد كقوة سياسية وعسكرية لا يمكن تجاوزها. غير أن هذا الاعتراف ما زال محدودًا، ولا يوفر ضمانات دستورية واضحة بشأن اللغة الكردية، الحكم المحلي، أو التمثيل السياسي في البرلمان والحكومة.
يخشى الكورد أن يكون هذا الاتفاق إجراءً تكتيكيًا مؤقتًا يهدف إلى السيطرة على الموارد الحيوية والمعابر الحدودية، بينما يتم تقليص نفوذهم لاحقًا. وتستند هذه المخاوف إلى تاريخ طويل من التهميش السياسي والثقافي في سوريا الحديثة.
الضغوط الإقليمية: تركيا وإيران
تركيا، تنظر أنقرة لأية تقوية سياسية للكورد السوريين كتهديد مباشر لأمنها القومي، وخصوصًا لأي صيغة حكم ذاتي أو إقليم كوردي على حدودها. وتستخدم تركيا الضغوط العسكرية والسياسية لمنع أي مكاسب كوردية موسعة، بما في ذلك عمليات عبر الحدود أو التأثير المباشر على الحكومة الانتقالية لمنع تشكيل هياكل سياسية مستقلة.
إيران، تتخذ إيران موقفًا أكثر براغماتية، إذ تسعى للحفاظ على نفوذها في دمشق، وتراقب تحركات الكورد عن كثب. فهي تخشى من انتقال روح الحكم الذاتي إلى كورد إيران، لكنها قد تستخدم الملف الكوردي كورقة ضغط أو مساومة في علاقاتها مع تركيا والحكومة السورية الجديدة.
التحدي الداخلي: الانقسام الكوردي
يواجه الكورد أيضًا تحديات داخلية بسبب الانقسام الحزبي والسياسي بين القوى المختلفة، مثل PYD والمجلس الوطني الكوردي والفصائل المستقلة. هذا الانقسام يضعف موقفهم التفاوضي، ويتيح للقوى الإقليمية والدولية استغلاله. الوحدة أو صياغة رؤية مشتركة تمثل شرطًا أساسيًا لتحويل اللحظة الحالية إلى فرصة حقيقية للمكاسب السياسية.
الموقف الأمريكي: بين التصريحات والدعم العسكري
يشكل التباين بين الموقف الأمريكي المعلن والسياسات الفعلية على الأرض محورًا أساسيًا في فهم الوضع الكوردي في سوريا. رسميًا، تؤكد الولايات المتحدة على وحدة الأراضي السورية وضرورة دمج الكورد ضمن العملية السياسية، مع الالتزام بحقوق الأقليات وحل النزاعات عبر الحوار الوطني والدستور الجديد. هذه التصريحات تُستخدم لتأكيد الالتزام الدولي بالسلام والاستقرار أمام المجتمع الدولي.
لكن الواقع على الأرض يعكس دعمًا عسكريًا مستمرًا للكورد، سواء من خلال الإمدادات، التدريب، أو التنسيق في العمليات الأمنية ضد التنظيمات المتطرفة. هذا الدعم يتيح للكورد قوة تفاوضية حقيقية ويوازن جزئيًا النفوذ التركي والإيراني، ما يمنحهم هامشًا من الاستقلالية الفعلية في مناطق سيطرتهم.
وبالتالي، فإن السياسة الأمريكية تتسم بـازدواجية الاستراتيجية: موقف معلن يركز على الحل السياسي والاندماج ضمن الدولة السورية، وممارسة عملية تمنح الكورد نفوذًا محدودًا كأداة ضغط استراتيجية في الصراع الإقليمي، ما يضيف طبقة جديدة من التعقيد على التوازن السوري الداخلي والإقليمي.
الموقف الفرنسي والتحالف الدولي
تؤكد فرنسا دعمها للحل السياسي وضمان التمثيل العادل للأقليات، مع التركيز على احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة وفرنسا، يسعى إلى موازنة النفوذ الإقليمي وضمان عدم تصاعد الصدامات على الأرض، مع إبقاء الكورد جزءًا من العملية السياسية دون السماح بأي انفصال فعلي.
التوازن الصعب: بين الفرص والمخاطر
يمكن تلخيص الوضع الراهن للكورد في سوريا في ثلاث نقاط رئيسية:
1.فرصة تاريخية: للاعتراف بوجودهم كقوة سياسية وعسكرية مؤثرة، وفتح الباب لدمج حقوقهم ضمن الدستور الجديد.
2.مخاطر التهميش: إمكانية التضحية بمطالبهم ضمن صفقات مع تركيا، إيران، أو القوى العربية داخل البلاد.
3.مسؤولية ذاتية: ضرورة الموازنة بين المطالبة بالحقوق القومية والانخراط الفاعل في العملية الوطنية السورية، بما يحفظ التوازن بين التحالفات الداخلية والخارجية، خاصة مع المتغيرات الدولية بقيادة التحالف الأمريكي-الفرنسي.
يبقى موقف الكورد اليوم توازنًا دقيقًا بين المكاسب السياسية المحتملة والمخاطر المستمرة، ويتوقف نجاحهم على الوحدة الداخلية واستراتيجيتهم في الحوار الوطني وقدرتهم على كسب دعم المجتمع الدولي، بما يضمن لهم مكانة مؤثرة ضمن سوريا.