محمد حسن الساعدي
كاتب ومحلل سياسي
اتفاقية خور عبد الله مع الكويت وتداعياتها القانونية والسياسية
تُعد أزمة خور عبد الله واحدة من أكثر الملفات حساسية في العلاقات العراقية – الكويتية، لما تحمله من أبعاد قانونية وسيادية واقتصادية، فضلاً عن خلفيتها التاريخية المرتبطة بمرحلة ما بعد الغزو الصدامي للكويت عام 1990. ورغم أن العلاقات بين البلدين شهدت تقدماً ملحوظاً خلال العقدين الماضيين، فإن هذه الأزمة جاءت لتختبر مدى متانة الروابط السياسية والدبلوماسية بين بغداد والكويت.
يمكن القول إن جذور الأزمة تعود إلى عام 2012 حين وقّع العراق والكويت اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله، وهو ممر مائي يفصل جزيرة بوبيان الكويتية عن شبه جزيرة الفاو العراقية، ويمثل المنفذ البحري الرئيس للعراق نحو الخليج. وقد جاءت الاتفاقية ضمن مسار التزامات العراق أمام مجلس الأمن استناداً إلى القرار رقم (833) لسنة 1993، الذي رسم الحدود البرية والبحرية بين البلدين بعد حرب الخليج الثانية.
غير أن المحكمة الاتحادية العليا في العراق أصدرت في سبتمبر/أيلول 2023 قراراً يقضي بإلغاء قانون التصديق على الاتفاقية، معتبرة أن المصادقة عليها لم تتم وفق الإجراءات الدستورية الصحيحة، لعدم توفر أغلبية الثلثين اللازمة للتصديق على الاتفاقيات الدولية. هذا القرار أثار استياءً كويتياً رسمياً، واعتبرته الكويت إخلالاً باتفاق دولي ملزم.
وقد أثار الحكم جدلاً واسعاً بشأن التزامات العراق الدستورية والدولية، وحقوقه البحرية في الخليج. فالبرلمان العراقي كان قد صادق على الاتفاقية في عام 2013 بموجب القانون رقم (42)، الذي هدف إلى تنظيم الملاحة في خور عبد الله. لكن مستشاري رئيس الوزراء اعتبروا إلغاء الاتفاقية جزءاً من حملة انتخابية مبكرة، مشيرين إلى أن ردود الفعل العنيفة داخلياً مرتبطة بالاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
تداعيات سياسية ودبلوماسية
تمثل أول تداعيات الأزمة في عودة الخطاب الحاد بين الجانبين بعد سنوات من التهدئة والتعاون. فقد حملت البيانات الرسمية الكويتية نبرة اعتراض واضحة، بينما حاول العراق التخفيف من حدة الموقف بالتأكيد على التزامه بحل الخلافات بالطرق السلمية. هذا التوتر أعاد إلى الواجهة الشكوك المتبادلة بين البلدين، كما أنه جذب اهتماماً إقليمياً ودولياً واسعاً، لما قد يحمله من انعكاسات على مشاريع التعاون في الخليج، خصوصاً في ظل التوترات الإقليمية القائمة.
الجوانب القانونية
إن رفض المحكمة الاتحادية العليا لقانون التصديق لا يعني إلغاء الاتفاقية بالكامل، بل ألغى مادة محددة فقط، فيما بقيت بقية المواد سارية المفعول. ومع أن قرار المحكمة نهائي وملزم، فإن عدم تنفيذه قد يُعد انتهاكاً دستورياً، بما قد يترتب عليه عواقب بعيدة المدى على سيادة العراق البحرية.
يُضاف إلى ذلك أن العراق لا يمتلك حتى الآن منطقة اقتصادية خالصة معترفاً بها رسمياً بسبب تداخل الحدود البحرية، وهو ما يحد من حقوقه في الصيد واستكشاف الطاقة البحرية والاستثمار في البنية التحتية للموانئ. كما أن أي تعديل أو انسحاب من الاتفاقيات الحدودية يتطلب موافقة الطرفين وإجراءات دولية معقدة، ما قد يعرّض العراق لضغوط أممية أو حتى دعاوى دولية.
الحاجة إلى استراتيجية واضحة
تؤكد هذه الأزمة حاجة العراق إلى استراتيجية متكاملة تجمع بين التحرك القانوني والمفاوضات المباشرة والمشاركة الدولية، للدفاع عن مصالحه البحرية وتجنب المزيد من التداعيات السياسية. وعلى الرغم من حدة الأزمة، فإن هناك مسارات متاحة لتفكيكها؛ إذ يمكن للطرفين العودة إلى طاولة المفاوضات عبر اللجان الفنية المشتركة، وربما الاستعانة بوساطة إقليمية أو دولية لترسيم الحدود البحرية بدقة أكبر.
إن نجاح هذه الجهود لن يقتصر على حل الخلاف الراهن فحسب، بل قد يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون القائم على الثقة والمصالح المشتركة بين العراق والكويت، بما يعزز الاستقرار الإقليمي ويحصّن مشاريع التنمية في الخليج.