محمد حسن الساعدي
كاتب ومحلل سياسي
الحكومة القادمة في العراق بين صراع التجاذبات وآمال التغيير
شكلت الانتخابات العراقية محطة مفصلية في مسار الدولة الحديثة، فهي ليست مجرد عملية ديمقراطية دورية، بل ساحة تتقاطع فيها التجاذبات السياسية والطائفية والاقتصادية مع تطلعات الشعب نحو التغيير والإصلاح وبين ضغوط القوى التقليدية ورغبة الشباب في بناء مستقبل مختلف،وتبدو صناديق الاقتراع اختباراً حقيقياً لإرادة العراقيين في رسم ملامح مرحلة جديدة، كما أنها ليست مجرد حدث سياسي، بل هي انعكاس لصراع طويل بين قوى الماضي وآمال المستقبل. وبين التجاذبات التي تحاول تكريس الواقع، والتغيير الذي يسعى إلى كسر الجمود، يبقى صوت الناخب العراقي هو العامل الحاسم في تحديد اتجاه البوصلة الوطنية.
تشير التوقعات أن تشكيل الحكومة القادمة يسير بصورة نسبية، ولكن عموم المشهد السياسي بدى كخلية النحل فقد دخلت القوى السياسية مرحلة المفاوضات المباشرة وعقد الصفقات لمرحلة ما بعد أعلان النتائج، ولكن بالمقابل ما زالت القوى السياسية لم تتمكن من تشكيل الرقم الذي يؤهلها للفوز وقيادة تشكيل الحكومة وترأس رئاسة مجلس الوزراء، وبالرغم من وجود إرادة سياسية في داخل قوى الاطار التنسيقي لكي يحظى السيد السوداني بولاية ثانية الا ان الازان ما زال مبكراً في الذهاب نحو حيار التجديد خصوصاً وسط ما يحظى به من مقبولية شعبية وسياسية داخلية وأقليمية ودولية وتبقى التوافقات هي سيدة الموقف في تحديد بوصلة رئاسة الحكومة القادمة.
بالتأكيد الاطار التنسيقي أعلن عن نفسه كونه الكتلة الاكبر والتي تمثل المكون الاكبر، وهو من يمتلك الحق في تشكيل الحكومة والتي تشمل الفائزين بالانتخابات ومن ضمنهم السيد السوداني، ولكن يبقى التوافق هو الفيصل في تحديد من سيشكل الحكومة القادمة على ان يحظى بمقبولية الأطار التنسيقي، وسط تكهنات أن الاطار التنسيقي يسعى ان يكون رئيس الحكومة القادمة خاضعاً لضوابط وآليات وضعها، وهذا ما جعل الاختيارات والمرشحين أكثر من السابق.
المؤشرات تؤكد ان الحكومة القادمة ربما ستعتمد على نفس التشكيلة السابقة من الوزراء، مع وجود واضح للقوى السياسية الرئيسية سواءً في قبة البرلمان أو على المستوى التنفيذي،مع تبدد للفرص للاصلاحيين أو العلمانيين والتي كانت نتائجهم محدودة في الانتخابات الاخيرة، ما يجعل تأثيرهم يقل كثيراً عن السابق، كما سنشهد وجود القوى الحشدية والتي حصلت على اكثر من 85 مقعداً في البرلمان ما يعني أن شكل الحكومة القادمة أصبح واضحاً حتى مع وجود التدخلات الخارجية والتي تحاول التأثير على مجريات الاحداث في البلاد.
موقف المجتمع الدولي وتحديداً الولايات المتحدة الامريكية انعكس بشكل إيجابي من خلال بيان رسمي من المبعوث الأمريكي "مارك سافايا"على شكل منشور على منصة X بعد أكثر من أسبوع من الانتخابات لا يدل على اهتمام مفرط، كما ان سافايا او ترامب لم يوضحوا أي إشارة إلى كيفية تطبيق واشنطن رؤيتها بشأن تشكيل الحكومة الجديدة،خصوصاً وإنها منشغلة في متابعة تطورات علاقتها مع بلدين سوريا والسعودية، لكن في نفس العراق يستحق الاهتمام أيضا وهو ما لم يحصل عليه كثيرا في الفترة الأخيرة.
ينبغي أن تدرك واشنطن ان العراق بموقعه الاستراتيجي وتنوع سكانه وموارده الطبيعية الغنية ليس حاجزاً لإيران وما يحدث في العراق سيؤثر على المنطقة بأكملها وسيؤثر على قدرته على تجاوز التوترات الطائفية وضمان الحداثة الاقتصادية، وان الديمقراطية التي تنادي بها واشنطن قد تحققت فعلاً من خلال صناديق الاقتراع التي أختارت من يمثلها في قبة البرلمان لذلك من الضروري ان يرى البيت الابيض بعينية الاثنتين، وبالمقابل على القوى السياسية العراقية الانفتاح على الآخر وان تكون مصالح العراق وشعبه وفق كل اعتبار .