صبحي مندلاوي
كاتب كوردي
روناكي دق بابنا
قبل أيام طرق شاب أنيق باب بيتنا قدم نفسه بكل احترام بإبتسامة هادئة قائلا إنه من روناكي وتعني بالعربية الضوء او النور مشروع الكهرباء المستمر الذي تتبناه حكومة إقليم كوردستان في كابينة التحدي والنجاح بقيادة مسرور بارزاني ، كأنما حمل إلينا بشارة الفجر بعد ليل طويل طلب مني بعض المعلومات وسرعان ما سجلني عضوا في المشروع عبر برنامج على الموبايل ثم سلمني فولدر أنيق باللغتين الكوردية والعربية يشرح كل تفاصيل الصرف.
بعد أيام قليلة فقط دخل النور إلى بيتنا بلا انقطاع لأول مرة منذ عقود لم نعد نحصي ساعات الظلام ولا نتلهف لصوت المولدات ولا نختنق بدخانها الكثيف .
روناكي دخل بيوتنا كما يدخل الحلم قلوبنا أشرقت على غرفنا نعمة حقيقية كنا ننتظرها منذ سنوات طويلة كأنما رفع عن صدورنا أثقالا كانت تخنقنا في كل صيف لاهب وكل شتاء قارس.
في مجمعنا السكني نحن معتادون على شراء كارت كهرباء بمئة دولار ربما قد لا يكفي سوى لأسبوع واحد حيث تصل مصاريف الكهرباء أحيانا إلى أربعمئة دولار وأكثر شهريا هذا عدا فاتورة الوطنية وضجيج المولدات وأدخنتها السامة التي تخنق البيوت والأزقة أما اليوم فقد منحنا روناكي راحة لم نعرفها منذ زمن طويل أطفأ الضجيج وأزال السموم وأعاد للبيت هدوءه وللسماء صفاءها .
معها نعيش إحساسا مختلفا فرحة عارمة وإنجازا حقيقيا تسطره حكومة الإقليم وسط بحر هائج من الأزمات في وقت تتفنن بغداد في سياسات الضغط والحرمان على شعب الإقليم وتحاول خنقه بقطع المستحقات المالية والرواتب بينما لا تعادل ميزانية الإقليم السنوية سوى نسبة ضئيلة لا تتجاوز ستة بالمئة من الموازنة الكلية للعراق .
أي إنجاز وأي عزم هذا الذي يصر على النجاح فيما بغداد لا تزال تعزف على وتر الحرمان وتضيّق على قوت المواطنين بينما عجزت طوال أكثر من عشرين عاما عن إنارة مدن العراق رغم مليارات الدولارات التي التهمتها وزارة الكهرباء.
كم هو مؤلم أن ننعم نحن في هولير ودهوك والسليمانية بكهرباء مستمرة بينما تغرق البصرة وكربلاء والفلوجة ومدن أخرى في ظلام الانقطاع وتعتمد على مولدات أهلية تشوه الشوارع وتلوث الهواء بسمومها ماذا لو تعاملت بغداد بعقلانية مع الإقليم ؟
ماذا لو إستفاد كل العراق من تجربة روناكي الناجحة ومن روح الإدارة الحديثة التي يقودها مسرور بارزاني في الكهرباء والتعليم والزراعة والطرق والبرمجة وغيرها من المجالات؟؟
ننظر اليوم بحسرة إلى المدن الغارقة في ظلام المولدات وأسلاكها المتشابكة بينما نحن في الإقليم نعيش تجربة مضيئة أثبتت أن الإرادة قادرة على صنع المعجزات لو أرادت بغداد أن تنظر بعين العقل لا العداء لكان العراق كله اليوم ينعم بهذا النور.
روناكي أعاد إلينا طمأنينة الحياة العصرية المطلوب اليوم فقط أن نحسن إدارة الصرف ونرشد الاستهلاك كما تفعل كل الشعوب أما الأمل فهو أن تمتد هذه التجربة لتشمل كل العراق في ضوء الشراكة الحقيقية لا في عتمة العداء .
روناكي لم يدخل بيوتنا فقط بل دخل قلوبنا قبلها أعاد إلينا معنى الطمأنينة وفتح أمامنا باب أمل بأن المستقبل يمكن أن يكون أفضل وأن الظلام مهما طال لا بد أن ينقشع تحية لحكومة أضاءت لنا الدروب تحية لمسرور بارزاني الذي جعل من التحدي قصة نجاح تحية لكل يد عملت بصمت حتى أصبح الحلم واقعا .