سماء مفتوحة على الصواريخ… هل تكون العراق ساحة الحرب الكبرى بين إيران وإسرائيل؟

سماء مفتوحة على الصواريخ… هل تكون العراق ساحة الحرب الكبرى بين إيران وإسرائيل؟
سماء مفتوحة على الصواريخ… هل تكون العراق ساحة الحرب الكبرى بين إيران وإسرائيل؟

في كل يوم يمرّ، يقترب العالم أكثر من ساعة صفر غامضة، قد تنفجر في أي لحظة على شكل حرب مدمّرة بين إيران وإسرائيل، حرب تتجاوز الحدود التقليدية وتحوّل سماء المنطقة إلى فضاءٍ ملبّد بالصواريخ والدرونات والانفجارات. ومن بين كل هذه الرقعة الجغرافية المشتعلة، يبدو العراق الأكثر هشاشة واستعدادًا لأن يكون ساحة رئيسية لهذه المواجهة المقبلة، بفضل موقعه المفتوح من جهة، وضعفه الداخلي من جهة أخرى.

المشهد الراهن لا ينفصل عن تراكمات الأعوام الماضية. العراق، الذي لطالما كان ميدانًا للحروب والصراعات الإقليمية، يجد نفسه اليوم على حافة سيناريو قد يُعيد كل ما مضى من جراح وأوجاع إلى السطح. فالتاريخ يعيد نفسه لكن بأدوات جديدة، والذكرى في هذه الحالة تختلف من طرف لآخر: للبعض جرح غائر لا يندمل، وللبعض الآخر لحظة انتقام مؤجلة، ولغيرهم حياد هش قد يتحوّل في لحظة إلى خسارة باهظة.

 

مؤشرات التصعيد

المعلومات المتسربة من مراكز القرار، والتصريحات العلنية الصادرة عن قادة إيران، كلها تصب في خانة استعداد حقيقي للمواجهة. فخطاب التخزين والجهوزية لم يعد مجرد شعار، بل هو تحضير ميداني لما قد يكون آتياً. من أعلى هرم الدولة الإيرانية يخرج صوت واضح يحذّر شعوب المنطقة من ضرورة الاستعداد لمواجهة الحدث الكبير. الكل يعلم أنّ الحرب آتية، لكن لا أحد يعلم متى وأين ستقع شرارتها الأولى.

في المقابل، إسرائيل ليست في وارد التراجع، بل هي في وضع هجومي، تبحث عن تثبيت معادلة ردع جديدة بعد أن تمددت أذرع إيران في كل من العراق، سوريا، لبنان وغزة. وهذا ما يجعل سماء العراق مفتوحة على مصراعيها أمام احتمالات القصف المتبادل: صواريخ إيرانية قد تعبر الأجواء نحو إسرائيل، وصواريخ إسرائيلية مضادة قد تهبط على مواقع في الداخل العراقي، بحجة أنها منصات لإطلاق الطائرات المسيّرة أو مخازن سلاح للحرس الثوري أو لفصائل موالية.

 

العراق بين المطرقة والسندان

الهشاشة العراقية لا تقتصر على الجانب الأمني فحسب، بل تمتد إلى ضعف البنية التحتية السياسية والاقتصادية والعسكرية. فعلى الرغم من مرور أكثر من عقدين على سقوط النظام السابق، ما يزال العراق يعاني من فراغات قاتلة: حكومات متعاقبة لكنها منقسمة داخليًا، اقتصاد ريعي مرهون بتقلبات أسعار النفط، جيش رسمي يفتقد إلى القرار الموحد، وفصائل مسلحة مرتبطة بدول الخارج.

هذا الوضع يجعل العراق ساحة مفتوحة أكثر من أي بلد آخر. فهو ليس محصنًا بالقدرات الدفاعية الجوية مثل إسرائيل، ولا يمتلك نظامًا صاروخيًا معقدًا مثل إيران. العراق أشبه ببيت من زجاج يقع في وسط صراعٍ بين جارين يتقاذفان الحجارة.

 

التكنولوجيا… سلاح الحرب الجديدة

الحرب القادمة، إن وقعت، لن تكون شبيهة بحروب القرن العشرين، حيث كانت الجيوش تتقابل على الأرض. هذه المرة ستكون حرب صواريخ ودرونات وحروب إلكترونية. التكنولوجيا هي السلاح الأكثر حضورًا، بينما سيكون الإنسان في الغالب مجرد متفرج، يراقب من على الشاشات كيف تسقط الصواريخ على أهدافه.

المرحلة الأولى المتوقعة في أي مواجهة، وفق تقديرات الخبراء العسكريين، ستتمثل في استهداف البنية التحتية العسكرية والنووية والاقتصادية: قواعد جوية، موانئ، مراكز طاقة، ومصانع حيوية. فهذه الأهداف تشكل العمود الفقري لأي دولة، ومن دونها ستنهار القدرة على الاستمرار. العراق، بحكم موقعه واحتوائه على قواعد عسكرية ومخازن أسلحة للفصائل المسلحة، سيكون في عين العاصفة.

 

معادلة يا قاتل… يا مقتول

في هذا المشهد، لا مكان للحلول الوسط. الحرب المقبلة ستكون معادلة واضحة: إمّا قاتل وإما مقتول. الأطراف المتصارعة تدرك أن الهزيمة تعني الانكسار لعقود، وربما خسارة شرعية الوجود السياسي. إيران تراهن على قدرتها على امتصاص الضربة الأولى والرد بأذرعها المنتشرة في المنطقة. إسرائيل تراهن على تفوقها التكنولوجي والدعم الأميركي المطلق. أما العراق، فلا يملك ما يراهن عليه سوى أمل أن يخرج بأقل الخسائر، رغم أن هذا الأمل يبدو ضعيفًا للغاية.

 

شعوب على الهامش

ما يغيب عن حسابات القادة هو مصير الشعوب. المواطن العادي، في العراق أو إيران أو فلسطين أو لبنان، لا يملك من أمره شيئًا سوى الدعاء أن تمر العاصفة من دون أن تقتلع بيته أو تحرق خبزه. في العراق على وجه الخصوص، الناس منشغلون اليوم بتأمين الغذاء والدواء وتخزين ما يمكن تخزينه من الأرزاق، استجابة للتحذيرات غير المباشرة التي يطلقها الساسة.

لكن الحقيقة أن لا شيء يمكن أن يقي المدنيين من صواريخ عابرة للقارات أو طائرات مسيّرة تخترق الأجواء بلا إنذار. حين تبدأ الحرب، سيكون المدنيون أول الضحايا وآخر من يُحسب حسابهم.

 

تأثيرات إقليمية محتملة

الحرب لن تقف عند حدود إيران وإسرائيل. دول الجوار، وخاصة الاردن و العراق وسوريا ولبنان، ستكون جزءًا لا يتجزأ من المعركة. الخليج العربي لن يكون بمنأى عن الصواريخ الباليستية الإيرانية إذا دخلت الولايات المتحدة على خط المواجهة. تركيا ستتأثر بشكل مباشر نظرًا لقربها الجغرافي وتشابك مصالحها مع الطرفين.

كل هذه السيناريوهات تجعل من الصعب جدًا تخيّل خروجٍ سلمي لأي طرف من الحرب المقبلة. حتى لو حاول البعض النأي بنفسه، فإن الجغرافيا ستفرض عليه أن يكون طرفًا، شاء أم أبى.

 

العراق… المصير المجهول

في ظل هذه المعطيات، يبدو العراق أمام مصير مجهول. هل سيكون مجرد ممر للصواريخ بين إيران وإسرائيل؟ أم أنه سيتحوّل إلى ساحة حرب بالوكالة، حيث تضرب إسرائيل مواقع الفصائل الموالية لإيران، وتردّ هذه الأخيرة من داخل الأراضي العراقية؟

الأرجح أن العراق سيكون الخاسر الأكبر، ليس لأنه طرف مباشر في الحرب، بل لأنه الحلقة الأضعف. فاقتصاده الهش، وأمنه المترنح، ونسيجه الاجتماعي الممزق، كلها عوامل تجعل أي هزة عسكرية خارجية تتحول داخليًا إلى زلزال مدمر.

 

خاتمة: زمن الرماد

الحرب القادمة، إن وقعت، لن تكون كسابقاتها. هي ليست مجرد مواجهة عسكرية عابرة، بل هي حرب قد تغيّر وجه الشرق الأوسط لسنوات طويلة. التكنولوجيا ستلعب الدور الأكبر، لكن الثمن سيدفعه الإنسان البسيط، الذي لا يعرف سوى أن يبتعد عن الأهداف العسكرية والاقتصادية على أمل أن ينجو بنفسه.

العراق، بسمائه المفتوحة وأرضه الهشة، سيكون ساحة اختبار لهذا السيناريو. وربما سيكتشف الجميع أن الحياد في زمن الحرب وهمٌ لا مكان له في الواقع. فالمنطقة مقبلة على مرحلة يا قاتل… يا مقتول ، حيث يسقط الحساب السياسي أمام جبروت النار والرماد