
مهند محمود شوقي
محرر
الكهرباء والمياه والمساحات الخضراء… هكذا اصبحت كوردستان

لم تكن أزمة المياه والكهرباء في إقليم كوردستان مجرد ملف خدمي عابر، بل تحولت لسنوات طويلة إلى مادة دسمة استثمرتها الأحزاب التي تسمي نفسها بـ"المعارضة" للضغط على حكومة الإقليم. غير أن عام 2024 حمل معه تحولاً نوعياً، مع إنجاز مشاريع استراتيجية أنهت اثنين من أبرز مصادر التذمر الشعبي، وأعادت الثقة بين المواطنين والحكومة. فقد ظل مطلب الأهالي في أربيل وبقية مدن الإقليم، خصوصاً في مواسم الصيف اللاهبة، يتركز على توفير مياه الشرب والكهرباء الوطنية المستمرة، وسط شكاوى متكررة من استغلال أصحاب المولدات الأهلية وارتفاع أسعارها، لكن مع نهاية صيف 2025 بدا المشهد مختلفاً تماماً، شوارع مضاءة على مدار الساعة ومياه نقية تصل إلى الأحياء من دون انقطاع.
في أيلول/سبتمبر 2024، وضع رئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور بارزاني حجر الأساس لمشروع إيصال المياه الطارئة إلى العاصمة أربيل بتكلفة بلغت 480 مليون دولار وعلى مرحلتين. وقد أُنجزت المرحلة الأولى في تموز/يوليو الماضي قبل موعدها المقرر، لتغطي أحياء واسعة في جنوب وغرب وشرق المدينة، ومن المنتظر أن تُستكمل المرحلة الثانية قبل نهاية العام الجاري لتشمل مناطق الشمال والشمال الغربي، ما يضمن حل أزمة المياه في أربيل لثلاثة عقود مقبلة. وفي خطوة موازية، أُغلق أكثر من ألف بئر مائي تقليدي واعتمدت مصادر حديثة أكثر أماناً وصحة.
أما في ملف الكهرباء، فقد نجحت حكومة الإقليم عبر مشروع «روناكي» في توفير التيار الكهربائي المستمر 24 ساعة في معظم محافظات كوردستان. وتشير البيانات إلى أن أكثر من 4 ملايين مواطن من أصل نحو 6 ملايين نسمة باتوا ينعمون بخدمة كهرباء دائمة، ما أدى إلى إطفاء أكثر من 3220 مولداً أهلياً في الأحياء والأسواق، فضلاً عن تخفيض النفقات الشهرية للأسر إلى النصف مقارنة بما كانوا يدفعونه سابقاً. هذا التحول لم يمر من دون أثر سياسي، إذ يقول ناشطون إن "الحكومة أثبتت أنها خادمة لشعب كوردستان، تعالج مشاكله جذرياً بعيداً عن الشعارات، وقد أنهت صيف أربيل بلا أزمات أو احتجاجات"، ويضيفون: "مع استكمال المشاريع الأخرى، مثل إيصال المياه من الزاب الصغير إلى قضاء قوشتپە وتعميم الكهرباء المستمرة على جميع المناطق، فإن المواطنين سيشعرون براحة أكبر، ولن يبقى للمعارضة أي مجال لاستثمار الأزمات الخدمية".
لم يتوقف عمل الكابينة التاسعة لحكومة إقليم كوردستان عند الكهرباء والمياه، بل شمل أيضاً رفع نسب المساحات الخضراء داخل العاصمة أربيل إلى مستويات باتت تقترب من معدلات كبرى المدن الأوروبية، ما انعكس بشكل مباشر على تحسين جودة الحياة وتعزيز البيئة العمرانية. ووفق الإحصاءات الرسمية، تضم أربيل حالياً 26 متنزهاً كبيراً، و204 حدائق صغيرة، و209 بساتين وغابات، و163 جزرة وسطية، و109 نافورات مائية. كما يجري العمل على خمسة مشاريع كبرى، أبرزها متنزه بمساحة 80 دونماً قرب شارع 120 متري، وحديقة رشـكين على مساحة 47 دونماً، إلى جانب متنزهات في أحياء نازدار وزيان، ومشروع آخر على شارع 150 متري.
وبالرغم من أن بعض هذه المشاريع لم يُنجز بعد، فإن نسبة المساحات الخضراء في أربيل وصلت إلى 20% من إجمالي مساحة المدينة، وهو معدل يوازي تقريباً نسب باريس (20%) ومدريد (21%) وميلانو (22%). ومن المتوقع أن تتجاوز أربيل هذه النسب عند اكتمال المشاريع قيد التنفيذ. في المقابل، تعيش مدن العراق الأخرى تراجعاً حاداً في نسب المساحات الخضراء، إذ انخفضت في بغداد إلى أقل من 10% بعدما كانت 28% في السابق، كما تراجعت في حي الزرقاء من 22.45% إلى 5.46% فقط، ووفق تقارير دولية، فقد العراق معظم غطائه النباتي ليحتل المرتبة السادسة عالمياً بين أكثر الدول تلوثاً بالهواء بحسب شركة (IQAir) السويسرية. أما اليوم، فإن أربيل تقع ضمن المعايير الدولية التي توصي بها منظمة الصحة العالمية بتخصيص 9 أمتار مربعة من المساحات الخضراء لكل فرد، فيما يوصي برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية بأن تكون النسبة بين 15 – 20%، وبهذا فإن العاصمة الكوردستانية باتت في مستوى المدن المتقدمة، متجهة لتجاوزه قريباً.
هذا التوسع الأخضر سيُسهم في خلق بيئة صحية لسكان المدينة، والحد من الأمراض الناجمة عن تلوث الهواء مثل السرطان وأمراض الجهاز التنفسي، إضافة إلى رفع جودة الحياة وزيادة شعور المواطنين بالراحة والاستقرار. بين الكهرباء المستمرة، والمياه المأمونة، والتوسع في المساحات الخضراء، ترسم حكومة إقليم كوردستان ملامح مرحلة جديدة تعزز رفاهية المواطنين وتضع أربيل في مصاف المدن المتقدمة، فيما تتراجع أوراق المعارضة التي اعتادت الاستثمار في أزمات الخدمات، لتجد نفسها اليوم أمام واقع لم يعد يقبل المتاجرة بمعاناة الناس.