الكورد في وثائق الارشيف الوطني البريطاني

الكورد في وثائق الارشيف الوطني البريطاني
الكورد في وثائق الارشيف الوطني البريطاني

خلال السنوات الماضية قمتُ بترجمة الكثير من الوثائق البريطانية التي حصلتُ عليها من الأرشيف الوطني البريطاني في لندن، وتخص جوانب من تاريخ الشعب الكوردي في فترات معينة، ونشرتها في اربعة أجزاء تتعلق بالوضع الكوردي والحركة التحررية الكوردية خلال القرن العشرين. أما وثائق هذا الكتاب فإنها تختلف عن الأجزاء التي سبقتها من حيث المضمون والتاريخ، حيث تختص بمنطقة بارزان والشيخ أحمد البارزاني، والهجمات العسكرية من قِبَل القوات البريطانية والعراقية (الشرطة والجيش) بمشاركة القوة الجوية الملكية البريطانية على بارزان بين عامي 1931-1933م.
منذ بدايات القرن العشرين أصبحت منطقة بارزان هدفًا لهجمات القوات العراقية / البريطانية وحتى التركية، حينما استشهد الشيخ عبدالسلام بارزاني رحمه الله من قبل الأتراك في الموصل عام 1914م. ثم استمر قصف بارزان من قبل القوة العراقية بمساعدة القوات الجوية الملكية البريطانية، وشن هجمات عديدة على الشيخ أحمد البارزاني خلال أعوام 1931 و 1932 و 1945م.
والسؤال الذي يفرض نفسه: لماذا يُوجّه الأعداء فوهات بنادقهم وقنابل طائراتهم نحو بارزان؟ فقبل وبعد تأسيس المملكة العراقية وإلى التسعينات
من القرن الماضي أُحرقت بارزان أكثر من خمس عشرة مرة !! لماذا كل تلك الاعتداءات الصارخة على هذه المنطقة بالتحديد أكثر من غيرها؟!
للإجابة عن ذلك علينا إلقاء نظرة ولو سريعة وموجزة على هذه المنطقة ورجالاتها.
تنادي بارزان قبل أكثر من قرن بحقوق الإنسان والمساواة والعدالة والرفق بالحيوانات والمحافظة على البيئة، وعدم الخضوع والركوع لأحد إلا لله سبحانه تعالى خالق الكون والبشرية، كما أنها تميزت بتمسكها بالدفاع عن الأرض والحريات وكرامة الإنسان، ولم يكن نضالها اعتداءً على الآخرين كما يدّعى الأعداء، وإنما كان دفاعًا عن النفس والحقوق المشروعة. كان ذلك في وقت ربما كانت هذه المبادئ والقيم غريبة حتى للإنكليز رغم ادعائهم باحترام حقوق الإنسان والحريات والتزامهم بها، ولذلك اندهش الإنكليز من اكتساء بارزان بتلك القيم منذ هذا الوقت المبكر.
لقد عرف الأعداء قبل الأصدقاء منذ القرن الماضي أن القضاء على بارزان أو السيطرة عليها يعني القضاء على الحركة التحررية الكوردية برمتها، لأنهم كانوا على دراية ومعرفة بأن لبارزان تأثير كبير على حرص الناس على النضال من أجل حقوقهم، وعدم الركوع إلا لله سبحانه وتعالى. ومن هنا كانت بارزان ولا تزال مركزًا للنضال والتحدي من أجل العدالة والحرية والحقوق. لقد تعلم الكثيرون النضال من بارزان، وستبقى رايتها شامخة في عنان السماء.
الشئ الآخر في الوثائق التي يضمها هذا الكتاب يؤكد أن الإنكليز طلبوا من قوات الجيش العراقي أن تتبنى ممارسات وتحركات تهدف إلى تخويف وإرهاب الشعب الكوردي حتى يحذر بطشه ويخضع لأوامره، بدلاً من تدريبه على وظيفة الجيش وتذكير رسالته المتمثلة في الدفاع عن الوطن وحماية الشعب.
توضح الوثائق أيضًا أن الشيخ أحمد البارزاني لم يرفض أي فرصة للتفاوض، وأنه كان مع المفاوضات وحل المشكلات سِلمًا دون إهدار للدماء، لكن
الطرف الآخر كان يهدف من وراء المفاوضات إلى فرض شروطه والانصياع لأوامره دون مناقشة. ولا شك أن هذه ليست طريقة للمفاوضات؛ وإنما فرض رأي مع اجبار الطرف الآخر على قبوله. ورغم التهديد والترهيب لم يقبل الشيخ أحمد، ورفض الرضوخ لتلك السياسات مهما كان حجم التضحيات.
من ناحية أخرى، قدَّم الإنكليز للشيخ أحمد البارزاني الأموال بكل سخاء لإغرائه وشراء ولائه، لكنه رفض أيضًا، وتمسك بحقوق الكورد المشروعة. والعجيب أن يُطلب منه مغادرة وهجرة مسقط رأسه إلى منطقة أخرى تبعد عن بارزان نحو 100 كم على الأقل مع عدم الرجوع إليها. فأين حقوق الإنسان التي تنادي بها أوروبا؟!
والشيء الآخر الذي استوقفني في وثائق هذا الكتاب أن عفوًا عامًا يصدر ويستثنى منه خليل خوشوي بحجة ارتكابه جرائم!!
رغم كل ما سبق، التاريخ يقول إن الإنكليز غادروا العراق، وأن الحكومات العراقية المتعاقبة التي شنت الهجمات على بارزان باتت في خبر كان، وبقيت بارزان شامخة، وستبقى برجالاتها ومناضليها المخلصين صامدة ومهدًا للنضال والكفاح.
بقي أن ألفت النظر أنه وردت في الوثائق كلمة (Rebel)، وتعني المتمرد او العاصي أو الثوار، ولأنهم ثوار فقد استخدمت في الترجمة كلمة الثوار.
تقرير القيادة الجوية العراقية عن العمليات التي قام بها الجيش العراقي والشرطة العراقية والقوات الجوية الملكية البريطانية ضد الشيخ أحمد البارزاني،  1931-1932


العمليات المخططة لعام 1931
لذلك شعرت الحكومة العراقية أن لديها كل الأسباب لاتخاذ إجراءات فورية لبسط سلطتها على المنطقة التي يسيطر عليها الشيخ أحمد، وتمت صياغة الخطط لتحقيق هذه الغاية في وقت مبكر من كانون الثاني - يناير 1931، وتم تأجيلها فقط حتى إنهاء العمليات ضد الشيخ محمود.


تأجيل العلميات لغاية 1932
لسبب وآخر، حدث تأخير في وضع هذه الخطة موضع التنفيذ، وفي نهاية المطاف في اجتماع على مستوى الوزارات الذي انعقد في 21 حزيران - يونيو 1931، توصل الوزراء المعنيون إلى استنتاج مفاده أن الموسم قد تقدم بالفعل كثيرًا، بحيث لا يتيح الوقت للعملية العسكرية من أجل إقامة مراكز للشرطة لاحقًا في ذلك الجزء من منطقة (بارزان) الذي كان من المفترض أن تحتلها قبل الشتاء، تم تأجيل العمليات العسكرية حتى ربيع عام 1932، واقتصر البرنامج عام 1931 على بناء طريق سريع (باپشتیان) باتجاه (مێرگەسور)


وصف المنطقة التي يسيطر عليها الشيخ أحمد بارزاني
الوصف الأفضل لوصف منطقة (بارزان) هو أسماء النواحي التي تقرر تقسيمها فيما بعد، حدود هذه النواحي وهي (مزوري بالا)، (بەرۆژ) و (شيروان) موضحة في الخريطة المرفقة بهذا التقرير.
تقع هذه المنطقة على بعد نحو 75 ميلاً شمال شرق (الموصل) بين بعض الجبال الأكثر انحداراً في شمال كوردستان، ومن الصعب حتى الآن تحديد مدى ممارسة الشيخ أحمد سيطرته الفعالة على المنطقة بأكملها داخل حدود النواحي الثلاث ما يمكن أن يسمى مقره الرئيسي أو المنطقة الحضرية كان يُعرف فيما بعد باسم منطقة (بەرۆژ)، ومع ذلك فمن المحتمل أنه أدرج أيضًا ضمن منطقة تأثيره الأقوى الوادي الذي يمكن العثور عليه على خريطة (شيروان مەزن)، والذي يمكن العثور عليه على الخريطة بين الركن الجنوبي الشرقي لـ(بەرۆژ) والحدود التركية. خارج هذه المنطقة المركزية لنفوذه تقع المناطق التي كانت تعرف باسم نواحي (مزوري بالا) في الشمال و (شيروان) في الجنوب.
تقع منطقتا (مزوري بالا و (بەرۆژ) بين نهر (شەمدینان) في الشمال الغربي ونهر الزاب الأعلى في الجنوب الغربي (روکۆچک) في الجنوب الشرقي والحدود التركية في الشمال الشرقي، شكلت هذه الأنهار الثلاثة أصعب العقبات أمام التقدم العسكري في هذه المناطق، صحيح أن الجيش العراقي كان يحتفظ بالفعل بجسر فوق الزاب الكبير في (بلێ)، مما أتاح الدخول إلى قرية (بارزان) ووادي (بەرۆژ) خلف القرية رغم ارتفاع سلسلة جبال (شيرين) وانحدارها وثباتها، مما يغلق فعليًا باب الاختراق من هذا الجانب إلى الشمال الشرقي والذي يشكل المعقل الرئيسي للشيخ أحمد.
من ناحية أخرى، فإن منطقة شيروان على الرغم من صعوبة الاقتراب منها من الشمال الغربي عبر (روکۆچک) أو من الجنوب الغربي عبر الزاب، تٌعدُ خطًا سهلاً للوصول إلى وادي نهر (بالەكيان) من المناطق المستقرة في (رواندوز وسهل ديانا) في الجنوب الشرقي، لا يوجد حاجز طبيعي قد يعيق التقدم العسكري بين منطقة (رواندوز) الخاضعة للإدارة وقرية (مێرگەسور) في وسط منطقة (شيروان) غير المستقرة، وبالتالي فإن جميع الخطط المختلفة التي تم النظر فيها من وقت لآخر لتقليص منطقة (بارزان) بدأت بالتقدم على (مێرگەسور)، يليه احتلال منطقة (شيروان).


الخصائص الطبوغرافية للمنطقة
إن السمات البارزة للمنطقة كما في الواقع لكل شرق كوردستان  في العراق، هي التلال المتوازية للجبال الممتدة من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي وترتفع في منطقة (بارزان) إلى ارتفاع نحو 8000 قدم، هذه الجبال مغطاة جزئيًا بالأشجار والشجيرات والأدغال بمختلف أنواعها ويصل ارتفاعها إلى ما بين 6000 و7000 قدم، 7000 قدم التلال عارية، وتقع بين هذه السلاسل أودية عميقة وخصبة يتم سقيها جيدًا في معظم الحالات.
من السمات اللافتة للنظر بشكل خاص في المدن الجبلية المتاخمة للزاب الكبير الذي تتشكل منه (بارزان) الطريقة التي شق بها الزاب وروافده طريقهم عبر الجبال في وديان ضيقة عميقة ذات عمق غير عادي، كمناظر طبيعية، تعد هذه الوديان الهائلة رائعة مثل السمات الطبوغرافية للمناظر الطبيعية العسكرية فهي مرعبة.
الجبل الرئيسي في منطقة (بارزان) هو (چياي شيرين  جبل شيرين سبق ذكره)، مع امتداد إلى الجنوب الشرقي جبل (ناڤەخين) بالتوازي مع هذا النطاق، وإلى الجنوب الغربي منه على الجانب الآخر من الزاب توجد سلاسل جبال (بيريس) الوعرة، في منطقة (زيبار) و (حرير)، والى أبعد نحو الجنوب الغربي (عقرة داغ) (التي تحتلها عشيرة السورجي).
نهر الزاب الكبير بعد نزوله من الجبال التركية واختراقه للامتداد الشمالي الغربي لنهر جبل (شيرين)، ينشق بواسطة (بيريس) على طول الوادي إلى الجنوب الشرقي حتى يفرض مروره عبر ممر شديد الانحدار بشكل مميز عبر (بيريس) و (عقرة)، ومن ثم سهل ونهر دجلة.
أثناء مساره أسفل الوادي الذي يقع بين (بيريس) و (جبل شيرين)، ينضم إلى الزاب الكبير على ضفته اليسرى نهران يقطعان طريقهما بطريقة رائعة في الاتجاه الصحيح نظام التلال الجبلية المتوازية، أولاً: هناك نهر (شەمدینان) الذي ينبع من (كلي بالندا) (كلي تعني مضيق - المترجم)، وهو شق عميق ذو جوانب شديدة الانحدار.
ثانياً: نهر (روكوجك) الذي يفرض نفسه عبر سلاسل من الجبال في جبل شيرين ومن ثم ينضم إلى الزاب في (رێزان) 1.5 ميل أسفل مجرى النهر من (بلێ).