شيركو حبيب
كاتب
من الجد إلى الحفيد.. البارزاني في مصر
عندما نستذكر العلاقات الكوردية المصرية، لابد أن نشير إلى اللقاء والاستقبال التاريخي للزعيم الكوردي ملا مصطفى بارزاني، من قبل الزعيم العربي جمال عبدالناصر، فئ أوائل أكتوبر عام 1958، هذا الاستقبال الذي أصبح ركيزة للعلاقات بين كوردستان و مصر في التاريخ المعاصر.
مصر لها تاريخ طويل في احتضان الشعوب والقوميات الأخرى، فهي ليست قلب الأمة العربية وحدها، بل قلب الشرق الأوسط كله، لما لها من دور تاريخي ريادي في دعم حقوق الشعوب كافة، وأولها الشعوب المتحررة أو الباحثة عن الحرية.
والعلاقات الكوردية المصرية ترجع إلى عصور ما قبل صلاح الدين الأيوبي الكوردي، الذي ولد في قرية دوين بمنطقة أربيل، وحكم الدولة الأيوبية من مصر، وقهر وحطم جيوش الحملات الصليبية، فقد استقر الكورد على أرض الكنانة، وتوالت بعدها الهجرات الكوردية إلى مصر، واشتهر الكثير منهم في مجالات الأدب و الثقافة والقانون والحقوق، أسماء عديدة لا تحصى، وليومنا هذا يفتخر المصريون بهؤلاء ذوي الأصول الكوردية والذين أصبحوا جزءا من تاريخ مصر.
هنا لابد أن نشير إلى دور الأزهر الشريف في قبول الطلبة الكورد منذ تأسيسه، وتلقى العلم بجامعته، ولا يمكن يمكن نسيان دور مصر في انطلاق أول كلمة كوردية في عالم الصحافة عندما أصدر مقداد مدحت بدرخان أول صحيفة باللغة الكوردية في القاهرة في 22 أبريل عام 1898 وطبعت في دار الهلال، ومن بعدها إنشاء مطبعة باسم كوردستان.
امتد فضل مصر إلى بث برامج كوردية في إذاعة صوت العرب منذ حزيران ١٩٥٧ حتى فبراير ١٩٦٨ ، بعد اللقاء التاريخي بين عبد الناصر و ملا مصطفى بارزاني، هكذا بدأت العلاقات مع مصر، فقد كان لزيارة الزعيم الخالد الجنرال مصطفى بارزاني دور بارز و مهم في تأكيد أواصر هذه العلاقة، حين كان البارزاني الخالد ضد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وزار مدينة بورسعيد.
العلاقات كانت مستمرة رغم بعض الغياب الرسمي في بعض الأوقات والحضور الفعلي على المستوى الشعبي والمجتمعي، فالزعيم مسعود بارزاني زار مصر في العام ٢٠١٠ والتقى بالرئيس الراحل حسني مبارك، وتجددت العلاقات بفتح القنصلية المصرية كأول قنصلية عربية في أربيل كأبرز ثمار تلك الزيارة.
وفي عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي اتخذت العلاقات طابعا آخر من التقدم ودعم الحقوقية الدستورية للشعب الكوردي، فكانت زيارة دولة رئيس مجلس وزراء كوردستان مسرور بارزاني لمصر ولقاءه بفخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، صباح الأحد 21 ديسمبر 2025، والتى فتحت آفاقا واسعة للعلاقات بين الجانبين، هكذا بدأت العلاقات من الجد إلى الحفيد و ستواصل و تزدهر نحو الأفضل، متجهة بإرادة عليا نحو السلام و الاستقرار في المنطقة، فوجهات النظر متطابقة نحو كافة الأمور التي تشهدها المنطقة، والتحديات واحدة، والمصير مشترك، والتضحيات واضحة في مواجهة الأخطار والتنظيمات الإرهابية.
لكن على مستوى الشراكة، تنتظر القاهرة وأربيل خطوات مهمة من حكومتيها نحو تعاون ومصالح أكبر، يحكم فيها الاقتصاد ويقول كلمته، تدعمه الثقافة المشتركة، ومن هنا، نتوقع أن تكون الأجندة المقبلة في العلاقات أكثر اتجاها نحو مشروعات واسعة، واستثمارات متبادلة، وسياحة وتجارة بنشاط أعلى، ووفود علمية ووافدين للتعلم بتسهيلات غير محدودة، وزيارات على أعلى مستوى للوصول إلى الهدف الأسمى المشترك في خدمة الشعبين الشقيقين.
سيكون القادم أفضل بكثير في العلاقات الكوردية المصرية، التي تنتقل بلقاء مسرور بارزاني والسيسي إلى الواقع العملي لا الرمزي، مستثمرة في ذلك التاريخ المشترك والواقع بتحدياته والمسؤوليات المشتركة تجاهه، وستصبح هذه العلاقات أكثر تمتينا بالحضور على الأرض، إيمانا بدور مصر وكوردستان، ورؤية زعامتيها السيسي والبارزاني الرامية إلى ترسيخ قيم التسامح والعدل والسلام في المنطقة.