استفتاء 25 ايلول 2017.. المسار السياسي وآفاق المستقبل

استفتاء 25 ايلول 2017..  المسار السياسي وآفاق المستقبل
استفتاء 25 ايلول 2017.. المسار السياسي وآفاق المستقبل

شكّل استفتاء 25 سبتمبر 2017 محطة بالغة الأهمية في المسار السياسي الحديث لإقليم كوردستان، حيث تجسّدت فيه إرادة الشعب الكوردي في التعبير عن تطلعاته المشروعة نحو تقرير المصير. وهذا الاستحقاق التاريخي يأتي في سياق تراكمي طويل من النضال السياسي والتحولات الدستورية التي مر بها الإقليم. تقدم هذه الورقة قراءة متأنية لهذا الحدث، تستهدف فهم سياقاته المختلفة واستشراف آفاق المستقبل، مع الحرص على تقديم رؤية متوازنة تجمع بين الاعتراف بالحقوق المشروعة ومراعاة الاعتبارات الإقليمية والدولية.

 

السياق التاريخي والدستوري

يمثل الاستفتاء تتويجاً لمسار سياسي طويل، بدأ بتجربة الحكم الذاتي عام 1970، وتعمق بعد إنشاء منطقة الحظر الجوي عام 1991، ثم تأسيس إقليم كوردستان دستورياً عام 2005. وقد أسهمت هذه التطورات في ترسيخ الكيان السياسي للإقليم، وتعزيز قدراته المؤسسية.

وفي الإطار الدستوري، نص الدستور العراقي لعام 2005 على اعتماد النظام الاتحادي، مما منح الإقليم صلاحيات واسعة. إلا أن التحديات التي واجهت تطبيق هذه المواد الدستورية، وتأخر حلّ الملفات العالقة، أسهمت في خلق بيئة من التطلع نحو خيارات سياسية أكثر تقدماً.

 

البيئة السياسية والدولية المحيطة

 جرى الاستفتاء في بيئة إقليمية ودولية بالغة التعقيد، حيث كانت المنطقة تعيش مرحلة حرجة في مواجهة التنظيمات الإرهابية، كما كانت هناك تحولات جيوسياسية كبيرة تؤثر على موازين القوى الإقليمية. وقد أثر هذا السياق الدولي بشكل كبير على طبيعة ردود الفعل تجاه الاستفتاء.

ويجب الاعتراف بأن الظرف التاريخي حمل معه تحديات كبيرة، حيث تزامن الاستفتاء مع ظروف إقليمية استثنائية، مما أثر على طبيعة الاستجابة الدولية لهذا الملف. وقد تجلّى ذلك في المواقف المختلفة للدول الفاعلة إقليمياً ودولياً.

 

الاستحقاق الديمقراطي والإرادة الشعبية

تميزت عملية الاستفتاء بمشاركة شعبية واسعة، عبرت عن عمق الإيمان بحق تقرير المصير لدى الشعب الكوردي. وقد شكّلت النتائج تعبيراً ديمقراطياً واضحاً عن إرادة السكان، في ظل عملية تنظيمية تمت وفق المعايير الدولية المعتمدة في مثل هذه الاستحقاقات.

ويحفظ التاريخ ذلك المشهد الديمقراطي الفريد، حيث تجسّدت فيه روح الوحدة الوطنية، وشارك فيه مختلف مكونات الإقليم في تعبير صادق عن الإرادة الجماعية. وهذا الجانب يبقى من أهم الإنجازات التي تحققت في هذه التجربة.

 

التحولات ما بعد الاستفتاء وآفاق المستقبل

أسهمت هذه التجربة في تعزيز الخبرة السياسية والدبلوماسية للإقليم، وأبرزت أهمية تطوير الأدوات الاستراتيجية في التعامل مع الملفات المصيرية. كما قدمت دروساً مهمة حول ضرورة الجمع بين الثوابت الوطنية والمرونة السياسية، وتعزيز الحوار البناء مع الأطراف المعنية.

وفي النظر إلى المستقبل، تبرز أهمية بناء رؤية استراتيجية متكاملة، تقوم على تعزيز المكتسبات الدستورية، وتطوير آلات الحوار مع الحكومة الاتحادية، والسعي لتحقيق تطلعات الشعب الكوردي في ظل الظروف الإقليمية والدولية المتغيرة.

 

الخاتمة

نحو رؤية مستقبلية متوازنة تمثل تجربة الاستفتاء مرجعية مهمة في المسار السياسي الكوردي، تقدم دروساً غنية للمستقبل. فالتجربة أكدت على أهمية تطوير المقاربات الدبلوماسية، وبناء التحالفات الإقليمية والدولية، وتعزيز القدرات التفاوضية في إدارة الملفات الخلافية مع الحكومة الاتحادية.

ويبقى المستقبل مشروطاً بتطوير رؤية استراتيجية متكاملة، تجمع بين الحفاظ على الثوابت الوطنية ومراعاة الاعتبارات الإقليمية والدولية. وهذا يتطلب العمل على مستويات متعددة، تشمل تعزيز البنية المؤسسية للإقليم، وتطوير اقتصاده، وبناء شراكات إقليمية ودولية تدعم مسيرته السياسية.

إن الدروس المستفادة من تجربة الاستفتاء تشكل أساساً متيناً لصياغة سياسات أكثر نجاعة في المستقبل، تمكن الإقليم من تحقيق تطلعات شعبه المشروعة، مع الحفاظ على الاستقرار الإقليمي والعمل ضمن الأطر الدستورية التي تحقق مصالح جميع الأطراف.