الـE3 وتفعيل آلية الزناد: عودة العقوبات الأممية وإعادة رسم التوازنات في الملف الإيراني

الـE3 وتفعيل آلية الزناد: عودة العقوبات الأممية وإعادة رسم التوازنات في الملف الإيراني
الـE3 وتفعيل آلية الزناد: عودة العقوبات الأممية وإعادة رسم التوازنات في الملف الإيراني

يُطلق مصطلح E3 على التكتل الأوروبي الثلاثي المكوَّن من المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا. وقد برز هذا التكتل منذ مطلع الألفية في سياق المفاوضات النووية مع إيران، قبل أن ينضم لاحقًا ما يُعرف بمجموعة (5+1) [الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، المملكة المتحدة، وألمانيا]. ومنذ ذلك الحين، أصبح الـE3 يمثل أداة للتعبير عن الموقف الأوروبي الموحد ومحاولة إيجاد توازن بين المصالح الأميركية والأوروبية، لاسيما في القضايا الأمنية والنووية. إن امتلاك بريطانيا وفرنسا للسلاح النووي من جهة، وثقل ألمانيا الصناعي والاقتصادي من جهة أخرى، جعل من هذا التكتل قوة متمايزة لها وزنها في بنية النظام الدولي وقادرة على صياغة مقاربات مستقلة نسبيًا تجاه القضايا الاستراتيجية.

في هذا الإطار، برز دور الـE3 خلال أزمة الاتفاق النووي الإيراني الموقع في 14 تموز 2015 والمعروف رسميًا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (Joint Comprehensive Plan of Action – JCPOA)، والذي صادق عليه مجلس الأمن عبر القرار رقم 2231 الصادر في 20 تموز 2015. نص القرار على آلية قانونية تُعرف بـ«الزناد» (Snapback)، تتيح إعادة فرض جميع العقوبات الأممية التي كانت مفروضة على إيران في حال أخلّت بالتزاماتها. وتعمل هذه الآلية وفق صيغة دقيقة: إذا أخطرت دولة من الدول الموقعة مجلس الأمن بوجود «عدم امتثال جوهري»، يبدأ سريان مهلة زمنية مدتها ثلاثون يومًا، وفي حال عدم التوصل إلى قرار بتمديد رفع العقوبات، تُعاد تلقائيًا جميع العقوبات السابقة دون الحاجة إلى تصويت جديد. وتكمن أهمية هذه الآلية في أنها تعطّل عمليًا استخدام حق النقض (الفيتو) من قبل روسيا أو الصين، إذ لا يمكن لأي طرف منع عودة العقوبات بمجرد انتهاء المهلة الزمنية، وهو ما يجعلها واحدة من أقوى الأدوات القانونية التي أُدرجت في الاتفاق.

وقد لجأ الـE3 إلى تفعيل هذه الآلية في 28 آب 2025، حين قدّم وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا إخطارًا رسميًا إلى مجلس الأمن يتهم إيران بارتكاب خروقات جسيمة، أبرزها تقييد عمل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتسريع عمليات تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز الحدود المقررة. ومع انقضاء المهلة القانونية، وتحديدًا في 27  أيلول 2025 عند منتصف الليل بتوقيت غرينتش، عادت العقوبات الأممية لتُفرض على إيران بشكل كامل. وقد صدر في اليوم ذاته بيان مشترك من العواصم الأوروبية الثلاث يؤكد أن إعادة العقوبات جاءت نتيجة «الخرق الجوهري والمتكرر» من جانب طهران (UK Government, Joint Statement, 27 Sept. 2025؛ Reuters, 27 Sept. 2025).

إيران من جانبها ردت سريعًا عبر استدعاء سفرائها من لندن وباريس وبرلين، واعتبار القرار «باطلاً» سياسيًا وقانونيًا، ملوحة بإجراءات مضادة (Al Jazeera, 27 Sept. 2025). هذا التصعيد لم يكن مفاجئًا بالنظر إلى السياق الإقليمي، إذ شهد شهر حزيران2025 جولة محدودة من الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران بمشاركة أميركية غير مباشرة، ما زاد من القلق الأوروبي ودفعه نحو تبني موقف أكثر صرامة. ومع تنامي الشكوك حول نوايا إيران النووية، رأت دول الـE3 أن استمرار سياسة الانتظار لم يعد مجديًا، وأن إعادة العقوبات تمثل وسيلة ضغط ضرورية لمنع انزلاق المنطقة إلى مواجهة أوسع (Carnegie Endowment, July 2025).

العقوبات التي أعيد فرضها لم تكن شكلية، بل شملت حظرًا على تصدير واستيراد الأسلحة، وقيودًا على البرنامج الصاروخي، وتجميدًا للأصول المالية، فضلاً عن حظر سفر استهدف شخصيات وكيانات إيرانية نافذة. وفي حين سبق فرض هذه العقوبات في مراحل سابقة، إلا أن عودتها في هذا التوقيت تحمل دلالات سياسية مهمة، إذ تشير إلى أن أوروبا، التي طالما وُصفت بأنها مترددة أو لينة في التعاطي مع طهران، قررت هذه المرة التحرك بخطى أقرب إلى الموقف الأميركي. وقد ذهب بعض المحللين إلى اعتبار هذا التحول تبنيًا لموقف «صقوري» يسعى إلى إعادة رسم التوازن في مسار التفاوض مع إيران (Carnegie Europe, 2025).

ومع ذلك، يظل تأثير الـE3 محدودًا في ضمان التطبيق الكامل للعقوبات، لأن نجاح أي إجراء دولي يحتاج دعمًا من جميع القوى الكبرى. فقد وقفت روسيا والصين بوضوح ضد تفعيل آلية الزناد، وسعتا إلى تمرير مشروع قرار في مجلس الأمن لتعليق إعادة العقوبات، غير أن محاولتهما فشلت لعدم حصولها على العدد الكافي من الأصوات. ويكشف هذا الانقسام أن أوروبا، رغم امتلاكها آلية قانونية قوية تمكنها من إعادة فرض العقوبات حتى دون إمكانية تعطيلها بالفيتو، تبقى عاجزة عن فرض التزام عالمي موحّد في ظل استمرار التجاذبات بين القوى العظمى، الأمر الذي يجعل دورها مؤثرًا لكنه غير حاسم (Reuters, 27 Sept. 2025).

في ضوء ذلك، يمكن القول إن تفعيل آلية الزناد لم يكن مجرد خطوة تقنية، بل تحول سياسي مقصود يراد به إعادة أوروبا إلى قلب المشهد الدولي بعد سنوات من التراجع. فهو إعلان بأن القارة العجوز ما زالت قادرة على لعب دور الضاغط الاستراتيجي في القضايا الأمنية والنووية. وبذلك، فإن العقوبات التي عادت في أيلول 2025 لا تمثل نهاية المسار، وإنما بداية مرحلة جديدة من شد الحبل بين أوروبا وإيران، في بيئة إقليمية متوترة ومصالح متشابكة تمتد من أسواق الطاقة إلى أمن الخليج والممرات الاستراتيجية.