دماء البِيشمركة وشهادة النازحين.. الرد الكوردي على مهاترات الحلبوسي وتزوير التاريخ

أربيل (كوردستان24)- في مشهد يكرّس انفصاماً خطيراً في الذاكرة العراقية، يعود الخطاب العنصري ليعبر عن نفسه من خلال تصريحات السيد محمد الحلبوسي، متجاهلاً تضحيات شهداء البِيشمركة الذين دفعوا دماءهم ثمناً لتحرير أراضيه، ومتجاهلاً شهادة ملايين النازحين الذين استقبلهم الكورد في أحلك ظروف العراق. إنها محاولة بائسة لتزوير التاريخ ونسيان التضحيات، في وقت يحتاج فيه العراق إلى توحيد الصفوف لا إلى تمزيق النسيج الاجتماعي.
لقد قدّم أبناء كوردستان أعظم درس في الإنسانية والتضحية، ففي لحظات سقوط المدن العراقية بيد تنظيم داعش الإرهابي، وقف الجنود والضباط العراقيون عاجزين، بينما تقدّم رجال البِيشمركة ليكونوا الدرع الواقي للعراق. لقد قدّم أكثر من 1900 شهيد ومئات الجرحى من البِيشمركة وهم يدافعون عن أراضٍ عربية في نينوى والأنبار وديالى. دماؤهم هي التي حررت قضاء سنجار وتلعفر والموصل وبعقوبة، بينما كان السيد الحلبوسي وأمثاله من السياسيين صماً بكماً عمياناً، لا يتحركون ولا يتحدثون. اليوم، يأتي من لم يطلق رصاصة واحدة ليدّعي الفزعة والوطنية، ويوجه سهام كراهيته لمن قدموا التضحيات. إنها مهزلة تاريخية يعيشها العراق، حيث يصبح الجبناء فرساناً، والمنقذون أهدافاً.
وفي الوقت نفسه، وعندما أغلق الجميع حدودهم، فتح إقليم كوردستان بقيادة الرئيس مسعود البارزاني حدوده وقلبه. أكثر من مليوني نازح عراقي وجدوا الملجأ الآمن في كوردستان. لم يسألهم الكوردي عن هويته أو طائفته، بل شاركه مأواه وطعامه وكرامته. هؤلاء النازحون الذين لا يزال الآلاف منهم في مخيمات إقليم كوردستان حتى اليوم، خاصة من أبناء سنجار والموصل والأنبار، هم شهود أحياء على أكذوبة الخطاب العنصري الذي يروج له الحلبوسي. إنهم الأرشيف الحي الذي يسجل من وقف مع الإنسان العراقي حين تخلى عنه الجميع.
إن الأسئلة التي تطرح نفسها بإلحاح: لماذا يتحول الكورد فجأة إلى "عدو" في الخطاب الانتخابي للحلبوسي؟ أين كان خطابه "الوحدوي" عندما كان العراقيون يفرون من الموت؟ لماذا لا نسمع له صوتاً عندما يتعلق الأمر بإعادة النازحين إلى ديارهم؟ أليس من المفترض أن يكون شعاركم "فزعة الأنبار" موجهاً لاستعادة حقوق النازحين، لا لاستغلالهم في المعارك الانتخابية؟ إنها أسئلة تفضح تناقض الخطاب العنصري وتكشف زيف الادعاءات.
إن الشعب الكوردي، الذي بنى مجداً نضالياً عبر التاريخ، وأسس تجربة ديمقراطية فريدة في المنطقة، وأثبت إنسانيته في أحلك الظروف، أكبر من أن تهزه تصريحات بائسة. إن محاولة بناء رصيد انتخابي على حساب كرامة الكورد وتاريخهم، هي لعبة خاسرة لن تنجح. فالشعب الكوردي الذي صمد أمام أعتى الديكتاتوريات، وواجه الإبادة الجماعية، وقاوم الإرهاب الدولي، لن تهزه تصريحات طائفية عنصرية.
إن العراق الجديد الذي نتطلع إليه لا يُبنى على إنكار التضحيات وتزوير التاريخ. إنما يُبنى على ثقافة الاعتراف: الاعتراف بدماء البِيشمركة، والاعتراف بكرم الكورد، والاعتراف بأن مستقبل العراق لا يمكن أن يُبنى على خطاب عنصري يذكرنا بأسوأ أيام الطائفية. إننا أمام اختبار حقيقي: إما أن نختار طريق الاعتراف المتبادل والتآخي الحقيقي، أو نستسلم لأوهام العنصرية والانعزال التي لن تنتج سوى المزيد من الدمار والانهيار.
إن دروس التاريخ تُثبت أن الخطاب العنصري لم ولن ينتج إلا المزيد من الكراهية والدمار. إن دماء شهداء البِيشمركة وشهادة ملايين النازحين تشكل راية عالية تفضح كل محاولات تزوير التاريخ. إن على السيد الحلبوسي ومن يقف خلف هذا الخطاب أن يعلموا أن الشعب الكوردي، بشهدائه وتجاربه النضالية وإنسانيته، أقوى من كل محاولات التشويه والتزييف. إن كوردستان، بتضحياتها ومواقفها الإنسانية، ستظل شاهداً على أن القيم الإنسانية هي التي تنتصر في النهاية، وأن الخطاب العنصري مصيره مزبلة التاريخ.