
مهند محمود شوقي
محرر
قمة شرم الشيخ.. هل ستكون الوعود أكبر من الأفعال!

تعود شرم الشيخ مجددًا إلى واجهة الأحداث بعد أكثر من عقدين من الغياب عن قمم كبرى تحمل عنوان “السلام”. ففي عام 2005، احتضنت المدينة آخر اجتماع مشابه عقب الانسحاب الإسرائيلي الأحادي من غزة، بينما تُعقد قمة اليوم في ظرفٍ أكثر تعقيدًا، بعد مرور عام كامل على الحرب التي اندلعت في أكتوبر 2023 وأسفرت عن مقتل أكثر من 38 ألف فلسطيني وتدمير نحو 70% من البنية التحتية للقطاع، وفق تقارير الأمم المتحدة. كما أدت النزاعات المتزامنة في اليمن ولبنان إلى نزوح أكثر من 3.2 مليون شخص في المنطقة، مما يضاعف الأعباء الإنسانية على المجتمعات المحلية والدولية.
القمة التي يترأسها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الأميركي دونالد ترامب تُقدَّم رسميًا كمنصة لإطلاق المرحلة الأولى من خطة “التهدئة الدائمة” التي أعلنها ترامب في سبتمبر الماضي، وتتضمن وقفًا متدرجًا لإطلاق النار، وتبادل الأسرى، وإعادة انتشار القوات الإسرائيلية خارج المناطق السكنية. ومع ذلك، أعلنت إسرائيل رسميًا رفضها حضور القمة، مستندة إلى جملة أسباب سياسية وعسكرية: أهمها وجود أكثر من 230 محتجزًا إسرائيليًا يهوديًا لدى حماس وفصائل فلسطينية أخرى، وخشيتها من أن يؤدي أي اتفاق دون شروط صارمة إلى إضعاف موقفها الأمني وعدم ضمان نزع سلاح حماس، إضافة إلى قلقها من تشكيل قوة مراقبة دولية قد تقيد حرية تحرك الجيش الإسرائيلي داخل غزة.
سياسيًا، يمكن قراءة الاجتماع على أنه محاولة أميركية لإعادة تثبيت نفوذ واشنطن في الشرق الأوسط بعد سنواتٍ من الغياب النسبي منذ إدارة بايدن. ترامب، الذي يسعى لتثبيت صورة “صانع الصفقات”، صرح مؤخرًا بأن القمة ستشكل “فرصة تاريخية لإعادة ترتيب المنطقة”، بينما يشكك محللون دوليون في أن تكون هذه التصريحات أكثر من مسرح سياسي لإظهار الحضور الأميركي.
أما مصر، فتبحث من خلال القمة عن استعادة دورها التاريخي كوسيطٍ للسلام منذ اتفاق كامب ديفيد عام 1978، مرورًا باتفاقات الهدنة المتكررة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في أعوام 2012 و2014 و2021. لكن القاهرة تواجه واقعًا مختلفًا اليوم؛ إذ لم تعد غزة مجرد ملف أمني بل قضية إنسانية تمسّ الأمن الإقليمي برمته، بعد أن تجاوز عدد النازحين 1.7 مليون شخص، فيما تشير تقارير البنك الدولي إلى خسائر اقتصادية تجاوزت 15 مليار دولار خلال عام واحد فقط.
اللافت أن القمة تُعقد في ظل غياب رسمي لإسرائيل، ما يجعل أي مخرجاتٍ ملزمة أمرًا معقدًا. ومع ذلك، يُتوقع أن تصدر عنها مسودة “إعلان شرم الشيخ”، التي تتحدث عن تشكيل قوة مراقبة عربية – دولية محدودة لحماية المدنيين، وهي فكرة سبق أن طرحتها مصر عام 2014 لكنها اصطدمت آنذاك برفضٍ إسرائيلي مطلق.
على الصعيد الإقليمي، تحمل القمة أبعادًا أوسع من الملف الفلسطيني ذاته. فالشرق الأوسط يعيش سلسلة صراعات متشابكة تمتد من السودان إلى لبنان، ومن اليمن إلى البحر الأحمر، وسط تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل، وتزايد حضور الفصائل المسلحة العابرة للحدود. في ظل هذه البيئة المشتعلة، يُنظر إلى القمة كمحاولة لوقف الانهيار الإقليمي أكثر من كونها بحثًا عن سلام شامل. نجاحها قد يمنح المنطقة لحظة تهدئة تُعيد ترتيب التحالفات وتفتح الباب أمام مرحلة “ما بعد الحرب”، بينما فشلها قد يُعيد المنطقة إلى دوامة الفوضى ويفتح الطريق أمام موجة جديدة من التصعيد تمتد إلى الضفة الغربية وربما إلى الجبهة اللبنانية.
تحت المجهر، يمكن رسم اكثر من سيناريو لكن الأقرب للواقع الخروج بسيناريوهين واضحين لمخرجات القمة:
سيناريو النجاح: التزامات واضحة من الأطراف المعنية، فتح المعابر الإنسانية، إطلاق برامج لإعادة الإعمار بقيمة تتجاوز 10 مليارات دولار، وتحريك مسار سياسي تدريجي يخفف من حدة الأزمات.
سيناريو الفشل: استمرار إطلاق النار، تفاقم المعاناة الإنسانية، زيادة النفوذ الإيراني أو الروسي في المنطقة، ضعف الدور المصري والأميركي كوسطاء، واستمرار احتجاز أكثر من 230 إسرائيليًا يهوديًا، ما يزيد من التوتر الأمني والسياسي ويحوّل القمة إلى مجرد وثيقة إضافية ضمن سجل طويل من الاتفاقيات غير المطبقة.
وربما تكمن المفارقة في أن السلام، الذي يُفترض أن يكون فعلًا أخلاقيًا، تحوّل إلى مشروعٍ سياسي يُقاس بمدى ما يحققه من مكاسب انتخابية أو نفوذ دولي. ترامب، العائد إلى الشرق الأوسط بعد سنواتٍ من الجدل، لا يأتي بروح المصلح بقدر ما يأتي بذهنية رجل الأعمال الذي يرى في الأزمات فرصًا للترويج والصفقات. أما الشعوب التي تعيش تحت النار، فلا يعنيها من يجلس إلى الطاولة بقدر ما يعنيها أن تتوقف المعاناة فعليًا. لقد تعب الشرق الأوسط من “السلام المؤجَّل”، ومن مؤتمراتٍ تُعيد تدوير الخطاب ذاته منذ أن جلس السادات وبيغن في كامب ديفيد عام 1978 وحتى اليوم. وما لم تُترجم القمة إلى واقعٍ ملموس يُنهي دائرة الدم، فإن “قمة شرم الشيخ” لن تكون سوى فصلٍ جديدٍ من كتابٍ قديم عنوانه: الوعود أكبر من الأفعال.