الانتخابات بين الطموح الديمقراطي والتحديات البنيوية

الانتخابات بين الطموح الديمقراطي والتحديات البنيوية
الانتخابات بين الطموح الديمقراطي والتحديات البنيوية

منذ سقوط النظام السابق عام 2003،والعراق يدخل مرحلة جديدة من التحول السياسي، اتسمت بالسعي نحو بناء نظام ديمقراطي تعددي عبر صناديق الاقتراع،وقد شكّلت هذه الانتخابات،سواء البرلمانية أو المحلية أبرز مظاهر هذا التحول،إلا أن التجربة لم تكن خالية من العقبات وتخللتها العديد من المطبات التي أثرت بالسلب على مراحل التاسيس للديمقراطية الحديثة في البلاد، بل واجهت تحديات عميقة أثرت على مصداقيتها وفاعليتها.

شهد العراق منذ عام 2005 عدة دورات انتخابية، بدأت بانتخابات الجمعية الوطنية، ثم تتابعت الانتخابات البرلمانية والمحلية، وصولًا إلى انتخابات 2021 التي جاءت بعد احتجاجات شعبية واسعة طالبت بإصلاحات سياسية،وقد رافق هذا التطور تغييرات في قوانين الانتخابات، أبرزها اعتماد نظام الدوائر المتعددة بدلًا من الدائرة الواحدة، وتعديل آلية احتساب الأصوات، في محاولة لتقليص نفوذ الأحزاب التقليدية وتعزيز فرص المستقلين،كما أُعيد تشكيل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أكثر من مرة، بهدف تعزيز الشفافية والنزاهة، إلا أن هذه الخطوات لم تكن كافية لاستعادة ثقة المواطن العراقي بالعملية الانتخابية.

من أبرز التحديات التي تواجه مراحل التجربة الديمقراطية في البلاد هو ضعف الثقة الشعبية بالقوى السياسية، إذ أن المواطن العراقي يعاني من فقدان الثقة بالمؤسسات السياسية والانتخابية، نتيجة لتكرار الوجوه ذاتها في السلطة، وغياب التغيير الحقيقي في السياسات العامة، ما أدى إلى انخفاض نسب المشاركة في الانتخابات، كما حدث في انتخابات 2021 التي سجلت نسبة مشاركة لم تتجاوز 41%.

يعد المال السياسي والتأثيرات الخارجية من اهم التحديات التي ترافق العملية الانتخابية، فاصبحت الحملات الانتخابية تعتمد بشكل كبير على الإنفاق المالي الضخم،ما أدى إلى تهميش الكفاءات لصالح أصحاب النفوذ المالي، كما أن التدخلات الإقليمية والدولية في الشأن العراقي تؤثر على نتائج الانتخابات وتوجهات بعض القوى السياسية.

كما هو الحال في الفساد الاداري وعمليات التزوير إذ لا تزال الشكوك تحيط بنزاهة الانتخابات،وسط اتهامات بالتزوير والتلاعب بالنتائج، خاصة في المناطق التي تسيطر الاحزاب المتنفذة،ما يضعف شرعية المؤسسات المنتخبة، بالاضافة الى الاستقطاب الطائفي والعرقي ، إذ وكما هو معلوم للجميع أن أغلب المرشحين يلعبون على هذا الوتر، الامر الذي جعل الانقسامات الطائفية والعرقية لها دورًا كبيرًا في تشكيل التحالفات الانتخابية، ما يكرّس نظام المحاصصة ويعيق بناء دولة المواطنة.

من التحديات الاخرى المهمة هو ضعف الثقافة الانتخابية،إذ يعاني أغلب الناخبين من نقص في الوعي السياسي،ما يجعلهم عرضة للتأثيرات العاطفية أو الطائفية في الاختيار بدلًا من التصويت بناءً على البرامج والرؤى التي تقدم الخدمة للمواطن وتجعله يقتنع بهذا المرشح او ذاك.

بالرغم من كل التحديات التي ترافق العملية السياسية والانتخابية، الا أنه لا تزال هناك آمال بإحداث تغيير حقيقي، خاصة مع صعود قوى شبابية ومستقلة تسعى لكسر احتكار الأحزاب التقليدية ولتحقيق ذلك يجب العمل على تعزيز استقلالية المفوضية الانتخابية،ومحاربة المال السياسي والفساد،ورفع وعي الناخبين بأهمية المشاركة الفاعلة، بالاضافة الى تعديل القوانين بما يضمن عدالة التمثيل.

التجربة الانتخابية في العراق تقف اليوم أمام اختبار حقيقي فإما أن تكون أداة للتغيير الديمقراطي، أو تبقى مجرد طقس شكلي يعيد إنتاج ذات النخب السياسية، إذ أن التحدي الأكبر يكمن في استعادة ثقة المواطن،وتحويل الانتخابات إلى ممارسة سياسية فاعلة تساهم في بناء دولة مدنية عادلة.