الحزب الديمقراطي الكوردستاني.. انتصار راسخ وتحديات استراتيجية وثقل كوردي متصاعد في بغداد

الحزب الديمقراطي الكوردستاني.. انتصار راسخ وتحديات استراتيجية وثقل كوردي متصاعد في بغداد
الحزب الديمقراطي الكوردستاني.. انتصار راسخ وتحديات استراتيجية وثقل كوردي متصاعد في بغداد

في مشهد سياسي عراقي معقد ودائم التغير، يبرز الحزب الديمقراطي الكوردستاني (PDK) كقوة سياسية لا يستهان بها، وقد أكد ذلك مرة أخرى من خلال نتائجه في الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة. فوز الحزب ليس مجرد انتصار انتخابي، بل هو تأكيد على ثقل الحزب وقاعدته الشعبية الواسعة في إقليم كوردستان والعراق، ويعكس طموحاته وتطلعاته في تعزيز دور الكورد في بغداد والمشهد العراقي عموماً.

تاريخياً، لعب الحزب الديمقراطي الكوردستاني بقيادة البارزاني، دوراً محورياً في النضال الكوردي من أجل الحقوق والوجود، ومنذ تأسيسه، مر بمراحل متعددة من الكفاح المسلح والسياسي. هذا الإرث العريق يمنح الحزب شرعية وقوة دفع تمكنه من الحفاظ على مكانته كأكبر الأحزاب الكوردية وأكثرها تأثيراً.

يمثل الفوز المتكرر للحزب الديمقراطي الكوردستاني في الانتخابات البرلمانية العراقية ظاهرة سياسية تستدعي تحليلاً معمقاً لفهم أبعادها وتداعياتها الاستراتيجية على الساحة العراقية والإقليمية. فهذا الانتصار لا يعكس مجرد تفوق انتخابي، بل هو مؤشر على الديناميكيات المتغيرة داخل إقليم كوردستان، وقدرة الحزب على التكيف مع التحديات، وتعزيز موقعه كلاعب محوري في معادلة الحكم في بغداد.

يتجذر الحزب الديمقراطي الكوردستاني في تاريخ طويل من النضال القومي الكوردي، وهو ما يمنحه شرعية تاريخية وعمقاً شعبياً لا يستهان به. فالحزب مر بمراحل مفصلية بقيادة البارزاني، من الكفاح المسلح ضد الأنظمة العراقية المتعاقبة إلى لعب دور رئيسي في صياغة الدستور العراقي بعد عام 2003، وتأسيس إقليم كوردستان ككيان فيدرالي يتمتع بصلاحيات واسعة. هذا الإرث يجعله الحزب الأكثر تجذراً في الوعي القومي الكوردي ويساهم في استقطاب الدعم الجماهيري.

 

ويمكن عزو الانتصار الكبير للحزب الديمقراطي الكوردستاني الى عدة عوامل، منها:

القاعدة الجماهيرية الصلبة: يتمتع الحزب بقاعدة جماهيرية واسعة وموالية في محافظات إقليم كوردستان، خاصة في أربيل ودهوك وزاخو، حيث تعكس النتائج الانتخابية ولاءً كبيراً لنهج الحزب وقيادته.

البنية التنظيمية والانتشار الجغرافي: فالحزب يتميز ببنية تنظيمية شديدة الانضباط والفعالية، تمتد من قمة الهرم القيادي إلى أصغر الوحدات القاعدية في القرى والمناطق النائية. 

الخطاب السياسي الثابت: يركز الحزب على حماية المكتسبات الدستورية لإقليم كوردستان، والدفاع عن حقوق الكورد في العراق الاتحادي، والسعي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي. هذا الخطاب يلقى صدى قوياً لدى الناخبين الكورد الذين يرون في الحزب حامياً لمصالحهم القومية في بغداد.

الأداء الحكومي والخدمي: على الرغم من التحديات الاقتصادية، تمكن الحزب من تقديم مستوى معين من الخدمات والبنية التحتية في مناطق نفوذه، مما يعزز صورته كقوة قادرة على الإدارة وتحقيق التنمية. يتم تسويق هذه الإنجازات كدليل على كفاءة الحزب وقدرته على تلبية احتياجات المواطنين.

الخبرة السياسية: يمتلك قياديو الحزب خبرة سياسية واسعة، سواء في إدارة الإقليم أو في التعامل مع المشهد السياسي العراقي المعقد، مما يمنحهم القدرة على التفاوض والتحالف بفاعلية.

 

كما وهناك تداعيات استراتيجية بهذا الفوز الكبير للحزب على المشهد العراقي، منها:

تعزيز الدور الكوردي في بغداد: يؤدي الفوز إلى زيادة التمثيل البرلماني للحزب الديمقراطي الكوردستاني، مما يمنحه ثقلاً أكبر في مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية وفي عمليات صنع القرار. هذا الثقل يمكن أن يُستخدم لضمان حصة الإقليم من الموازنة، والدفاع عن صلاحياته، والسعي لحل القضايا العالقة.

الشراكة في تشكيل الائتلافات الحكومية: يصبح الحزب لاعباً لا غنى عنه في أي ائتلاف حكومي مستقبلي في بغداد. عادة ما يكون له كلمة في اختيار رئيس الجمهورية (الذي غالباً ما يكون كوردياً)، وفي توزيع الحقائب الوزارية، وفي صياغة البرنامج الحكومي.

الدور الإقليمي والدولي: يُنظر إلى الحزب الديمقراطي الكوردستاني كفاعل إقليمي ودولي مهم، يتمتع بعلاقات قوية مع دول الجوار والقوى الغربية. الفوز الانتخابي يعزز هذا الدور ويمنحه نفوذاً أكبر في التفاعلات الإقليمية والدولية المتعلقة بالعراق والمنطقة.

في الختام، إن انتصار الحزب الديمقراطي الكوردستاني في الانتخابات البرلمانية العراقية ليس مجرد رقم في صناديق الاقتراع، بل هو تعبير عن إرادة سياسية وتاريخية للشعب الكوردي، ويشكل نقطة ارتكاز استراتيجية للمفاوضات والتحالفات القادمة في المشهد السياسي العراقي. قدرة الحزب على الموازنة بين المصالح القومية الكوردية والمشاركة الفاعلة في بناء عراق اتحادي مستقر ستكون المحك الرئيسي لنجاحه في المرحلة المقبلة.