صبحي مندلاوي
كاتب كوردي
أربيل… قبلة الجميع
عندما شرعتُ بكتابة بحثي الأكاديمي الموسوم «أربيل القديمة» لنيل شهادة الماجستير في إختصاص آثار الشرق الأدنى القديم، لم أكن أتوقع أن نصوصًا مسمارية صامتة ستفتح أمامي نافذة واسعة على حقيقة ما زالت تنبض في حاضرنا.
ففي تلك الألواح كانت أربائيلو – وتعني مدينة الآلهة الأربعة بالأكدية – تظهر كحاضرة فريدة يقصدها الملوك طلبًا للبركة والنصر ويحجّ إليها الجميع كما يحجّ الناس اليوم إلى مكة ،كانت مدينة سلام وقبول، ملاذًا لكل طالب مشورة أو قوة .
هذه الحقيقة القديمة لم تُغلق صفحاتها بإنتهاء العصور التي كُتبت فيها فالتاريخ – حين يكون صادقًا – لا يتقاعد بل يستمر بصور جديدة.
واليوم نراها تتكرر أمام أعيننا بشكل أوضح وأقوى ، هولير الحديثة وريثة أربائيلو العتيقة تؤكد مرة أخرى أنها قبلة الجميع
قبلة السياسة وملتقى القرار ووجهة كل من يريد أن يجد مكانه الصحيح في المعادلة العراقية المعقّدة.
مباشرة بعد إعلان النتائج الرسمية للانتخابات العراقية و قبل مصادقتها قضائيا تحوّلت أربيل و بيرمام إلى مركز إستقطاب سياسي في مشهد متوقع و لكن بدلالات أكبر و أوسع ، رأينا قادة الإطار التنسيقي يتوافدون واحدًا تلو الآخر و كذلك قادة القوى الوطنية والمستقلة، وسيتبعهم القيادات السنية التي أسست مجلسها السياسي الجديد ، هذه الوفود و غيرها تعرف تمامًا أن الطريق يبدأ من هولير وأن مفتاح التوازن العراقي في يد رجل يعرفه الجميع إنه الرئيس مسعود بارزاني.
إن هذا الحضور، وهذه الثقة، وهذا التهافت السياسي على أبواب أربيل لم تأتِ من فراغ هي ثمرة حكمة متراكمة، ودور قيادي أثبت نفسه في أحلك الظروف هي إنعكاس لشخصية سياسية تأريخية تمتلك ما يكفي من الرصانة والوعي والقدرة على قراءة العراق بعيون أبنائه جميعًا لا بعين واحدة وهي إمتداد للدور المحوري الذي لعبه – وما زال يلعبه – الحزب الديمقراطي الكوردستاني في بناء شراكة وطنية حقيقية بعيدًا عن الشعارات والمزايدات.
لقد كانت أربيل القديمة مركزًا للسلام والرضا، واليوم تعود الصورة ذاتها لكن بلغة السياسة لا بلغة المعابد.
من يريد فتح صفحة جديدة يتجه إلى هولير من يريد التهدئة يتجه إلى هولير من يريد أن يسمع النصيحة الصادقة يتجه إلى هولير.
ومن يريد أن يضع موطئ قدم راسخًا في مستقبل العراق لا يتردد في التوجه إلى قبلة القرار قيادة الرئيس مسعود بارزاني.
هكذا كانت أربيل… وهكذا بقيت
تاريخ لا يجفّ، وحكمة لا تنطفئ، ودور لا يتراجع قبلة السياسة اليوم… تمامًا كما كانت قبلة الملوك قبل آلاف السنين.