يوسف أحمد عبد العزيز
كاتب وناشط مدني
المرأة بين القهر الاجتماعي وغياب الندية: رؤية في أزمة الوعي الشرقي
في المجتمعات الشرقية — للأسف — لا يزال كثيرٌ من الرجال ينظرون إلى المرأة نظرةً دونية، ويقيّمونها بعيدًا عن كونها إنسانًا كامل الحقوق. فالبعض يراها كائنًا لا يمتلك عقلًا قادرًا على التفكير، مع أن هذا العقل قد يحمل خلاصنا ونهضتنا. وقد حُرمت المرأة من أبسط حقوقها في العيش الكريم والرفاه، حتى باتت لا تشعر بأنها كائن حي يستحق الوجود والتقدير داخل المجتمع. كما يُنكر عليها تأثيرها في صنع القرار أو مشاركتها في بناء مجتمع سليم تسوده القيم الإنسانية والمحبة.
الرجل الشرقي — في صورته الذهنية التقليدية — لا ينظر إلى المرأة كشريكة حياة، بل كسلعة يمتلكها ويتحكم بها كيفما يشاء، ويُشبِع فيها دوافعه الغريزية دون أدنى اعتبار لحقها في العيش الكريم. ويمارس عليها الإقصاء الفكري والاجتماعي والوجداني. فهي غير مسموح لها بالخوض في المسائل العاطفية أو الحسية، ولا بالتحدث عن الثقافة الزوجية، مع أن ذلك هو الأساس لتكوين أسرة سليمة معافاة عقليًا وجسديًا ونفسيًا. فالزوج — في هذه الرؤية — هو من يقرر متى تُقام العلاقة وكيف تُقام، وهو من يتحكم في كل شيء، بينما تُمنع المرأة من الاختيار أو حتى التعبير، فتعامل كأنها بلا إرادة أو كيان.
وقد أثّر هذا السلوك تأثيرًا سلبيًا في البنية الاجتماعية داخل مجتمعاتنا، فأصبح كثير من الرجال ينظرون إلى المرأة من منظور جسدي فقط، ويعتقدون أن دورها يقتصر على الإنجاب وتربية الأبناء والطبخ، دون أي حق آخر… ويا لها من رؤية قاصرة.
أنا أؤمن بأن الجسد والروح لا ينفصلان؛ فالعلاقة بينهما وثيقة، ولا يمكن للجسد أن يؤدي دوره دون عاطفة وتبادل وجداني وإثارة للمشاعر، وتغذية للجانب النفسي للمرأة. وعندما تُحرم المرأة من هذا الجانب الحساس، وتُقهر، ويُبخل عليها الرجل بأبسط الكلمات الوجدانية، تُدفع غالبًا إلى التمرد أو يُلقى عليها اللوم وحدها ظلمًا.
إن إعجاب الكثير من الرجال — بل الأغلبية — بالمرأة يرتبط بجسدها فقط، لا بشخصيتها وروحها وفكرها ووعيها وثقافتها، ولا بالمعرفة التي تحملها أو القوة الكامنة في شخصيتها. ولذلك تفشل كثير من العلاقات وتموت في مهدها، لأنها بُنيت على غياب التكافؤ والندية الإيجابية، ولم تستند إلى التواصل الوجداني والفكري والروحي، ولا إلى حوار متكافئ يقوم على المعرفة والقدرة على التحليل الإيجابي والتخطيط السليم. وهكذا تجد المرأة نفسها أمام خيارين: إما أن ترضخ لقدرها وتستسلم وتعيش كدمية يحركها الآخر متى وكيفما شاء، فتعاني حياة الذل والقهر، وإما أن تنتفض من أجل حياة كريمة متكافئة، فتخسر الدعم وقد ينتهي بها المطاف في ظلمات القهر الاجتماعي.
أما عندما تُبنى العلاقة على التقييم الحقيقي للمرأة: لذاتها، وشخصيتها، وعقلها، ووجدانها، وفكرها، ووعيها، وعلى اعتبارها طرفًا مؤثرًا إيجابيًا في حياة الرجل والمجتمع، فإن العلاقة عندها تمتزج فيها الروح بالجسد، والعاطفة بالعقل، وتكون علاقة قادرة على الاستمرار والازدهار.