قصف كورمور… حين يستهدف الظلامُ قلبَ الطاقة في كوردستان ويختبر صلابة الشعب

قصف كورمور… حين يستهدف الظلامُ قلبَ الطاقة في كوردستان ويختبر صلابة الشعب
قصف كورمور… حين يستهدف الظلامُ قلبَ الطاقة في كوردستان ويختبر صلابة الشعب

قالوا قديماً إن الفرح الشديد، ونعيم العيش، ونجاح الإنسان، وارتفاع مكانته، وامتلاء بيته بالهدوء والسعادة، كلها أمور تثير في نفوس البعض حسداً دفيناً، فيتحرك فيهم شعور خفي لا يحتمل رؤية الآخرين في نعمة أو نجاح. فإذا تحدث الناس عن إنجازاتك بفخر، وإذا كان إبداعك يسبقك أينما حللت، وإذا أصبحت ذكراك الطيبة وثمار عملك على ألسنة الجميع، فاعلم أن هناك دائماً قِلّة لا تقوى على احتمال هذا النور، سواء على مستوى الفرد أو المجتمع أو حتى على مستوى الدول.

هذه سنة الحياة: كلما علت القيم الإيجابية، وكلما ارتفعت مكانة منطقة أو شعب، اشتدت المؤامرات من حوله، وتكاثرت محاولات العرقلة والإساءة، واتسعت دائرة التشويش والتشكيك. بعضها يأتي صريحاً في شكل تهديدات معلنة، وبعضها في صورة شكوك وظلال يجري بثّها عمداً. ورغم أننا لسنا ممن يسبقون الأحداث بالظنون، إلا أننا ندقّق في كل احتمال، ونستخلص من الشكوك يقيناً يحفظ أمن المجتمع ويصون مصالحه.

ولذلك، فإن ما حدث مؤخراً من قصف استهدف منشأة غاز كورمور—المصدر الأهم لتوليد الكهرباء في كوردستان—لا يمكن اعتباره حادثاً عابراً أو فعلاً معزولاً. بل هو ضربة موجّهة إلى قلب الاستقرار الاقتصادي والخدمي في الإقليم، وإلى حياة ملايين المواطنين الذين يعتمدون على الطاقة المولّدة من هذا المصدر الحيوي. إن استهداف كورمور ليس فقط اعتداءً على منشأة اقتصادية؛ بل هو استهداف لحرية وأمان شعب كامل.

هذه ليست مصيبة فرد، بل مصيبة وطن. ولأنها تمسّ كل بيت في كوردستان، فإن التعامل معها لا يجب أن يكون متروكاً للوقت أو للبيانات الروتينية التي تمرّ مرور الكرام. إن المرحلة تفرض أن يكون صوت الشعب هو الحاضر الأكبر، وأن تتحد المؤسسات السياسية والحكومية بكل مستوياتها، بعيداً عن الخلافات والحسابات الضيقة.

وعليه، فإننا نناشد جميع الأطراف السياسية الحاكمة في الإقليم وفي الحكومة الاتحادية أن يظهروا أمام الرأي العام بموقف واضح وحازم، عبر القنوات الفضائية، وعبر بيانات رسمية صريحة، وأن يعقدوا جلسة طارئة مشتركة لأن ما جرى هو مساس مباشر بالوطن وبقضيته. فالصمت هنا ليس خياراً، والتردد ليس من الحكمة في شيء.

إن المتوقع بل الواجب هو أن تجتمع الأطراف كافة حول طاولة واحدة، يعلن كل طرف فيها موقفه دون مواربة: من يقف ضد هذا الفعل، ومن يجرّم مرتكبيه، ومن يتعهد بالتحقيق الفوري والشفاف. وعلى الجهة المقابلة، يجب فتح باب البحث الجاد عن الفاعل ومن يقف خلفه، دون تأجيل أو تسويف، فالمواطنون يستحقون معرفة الحقيقة، والضحايا من الشعب يستحقون العدالة.

وفي حال ثبوت ضلوع جهات داخلية أو خارجية في هذا الاعتداء، فالمطلوب أن يُتخذ موقف موحّد تجاهها، إما عبر المقاطعة السياسية، أو عبر اتخاذ إجراءات رادعة مشتركة بين الحكومتين الاتحادية والإقليمية. أما أن يُترك هذا الفعل الدنيء يمرّ بلا محاسبة، فذلك يعني فتح الباب أمام سلسلة أوسع من الاعتداءات مستقبلاً، وهذا ما لا يمكن السماح به.

إن الاعتداء على كورمور هو اعتداء على الكهرباء التي تضيء بيوت الناس، وعلى الشركات التي توفر فرص العمل، وعلى الاقتصاد الذي ينهض بالإقليم. لكنه قبل كل شيء اعتداء على الأمان النفسي والاجتماعي الذي بناه شعب كوردستان خلال عقود من المعاناة والصبر.

لذلك، فإن المطلوب اليوم هو الصبر الواعي، لا الصمت؛ والصمود المسؤول، لا اللامبالاة. كما نحتاج إلى صوت موحّد يعبّر عن وجدان الشعب، ويجبر الجميع على تحمل مسؤولياتهم والقيام بواجباتهم تجاه الوطن. فالوطن حين يُمسّ، لا يبقى أحد خارج دائرة المسؤولية.

إن قوة كوردستان كانت دائماً في وحدتها، وفي قدرتها على تحويل المصائب إلى فرص، والتهديدات إلى دافع إضافي لتعزيز أمنها واستقرارها. واليوم، أمام هذا الاستهداف الخطير، نحتاج إلى ذات الروح وذات الإرادة.

ختاماً، ما حدث في كورمور ليس حدثاً عابراً، وليس خلافاً سياسياً يمكن تجاوزه ببيان مقتضب؛ إنه جرس إنذار يفرض على الجميع أن يقفوا وقفة رجل واحد. فالوطن أغلى، والشعب أحقّ بأن يُحمى، والقضية أكبر من أن تُترك لذوي النوايا السيئة أو العابثين بمستقبل كوردستان