( قَدْ) في دلالة التصريح سياسيا
مع ان ( قد) هي حرف يدل على يقين حدوث الفعل اذا دخلت على الماضي، و تدل على الشك او التقليل اذا دخلت على المضارع، مثلما تدخل ايضا على المبني للمجهول و بنفس حكمها يقينا و شكا حسب الفعل، فهي ( قد) تحقق نفس صدقيتها عند استخدامها في لغة العمل و منه العمل السياسي.
( قد) الكاشفة نحويا، هي كاشفة ايضا سياسيا.
فعندما نقول( قد كتبنا الدستور و استفتينا عليه) فمعنى الشطر الاول من الجملة ان الدستور تحققت كتابته، وعندما نقول( قد تحاكمنا للدستور) فذلك يعني تسليمنا بمرجعيته الاسمى حاكما بيننا عند وقوع خلاف، اما عندما نصرح بجملة( قد نحتكم للدستور في حل خلافاتنا) فذلك يعني عدم اليقين، عدم يقين احتكام للدستور، اما لامكانية حل الخلاف بطريقة اخرى، وهذا يعني عدم فهم متى يتم الاحتكام للدستور، او ربما يعني عدم اهمية الدستور اذا ما كانت هناك وسائل ضغط، وهذه اخطر من الاولى.
حيوية اللغة هي من اسس الحضارة و التحضر و المواكبة، فاللغة عامل كشف مكتوبة و / او محكية، و منها بالطبع و التأكيد لغة السياسة و السياسيين، اقصد السياسة الرصينة، السياسة المنتجة لعالم افضل، واقصد السياسيين الاصلاء، المتمكنين من ادوات عملهم، فكرا و عملا و سيرة.
ثمة فرق كبير بين ( قد كان) و ( قد يكون)
قد قدمنا الجهد و الدم، و قد تم استهدافنا بكل وسائل القمع و الحرمان و الالغاء: هذا امر يقيني و من الماضي، و تسند صدقه وثائق دامغة والحجة القاطعة.
اما لماذا حصل ذلك، فالسبب يعود للفكر الذي يحمله متسلطون كشفت اللغة و الافعال سوء نوايهم، اذ تنافرت وعودهم وهي تستعير ( قد) في تصريحات و خطابات - لم تخلُ طبعا من ادوات لغوية تعني الوعد مثل( سين الاستقبال) لكنها ليست بقوة هذا الحرف الذي يقطع باليقين او بالشك مع انه لا محل له من الاعراب.
مفيد ايضا ان نفهم من اللغة ما نفهمه من السياسة التي تتغطى باللغة، ومثال ذلك( قد تم حرماننا من كثير من حقوقنا الدستورية) و ( قد يجيء من يؤمن بالشراكة و تساوي الحقوق) فالاولى يقينية في بيان حرماننا، و الثانية فيها شك لا يقطعه يقين، فقد يجيء و قد لا يجيء.
الفكر المستنير و الارادة الصلبة و صدقية العمل هي التي تمكن من يريد الاصلاح ان يجعل اللغة التي تحكم افعاله المتحققة و التي صارت ماضيا مسبوقة بفعل نجاح يعني الخير و تقديم المفيد.