من يربح ومن يخسر في استهداف كورمو؟

من يربح ومن يخسر في استهداف كورمو؟
من يربح ومن يخسر في استهداف كورمو؟

يشكل استهداف حقل كورمو النفطي حدثًا بالغ الأهمية في سياق الصراعات الجيوسياسية المعاصرة،فالهجمات على البنى التحتية للطاقة لا تُقرأ فقط في إطارها الأمني المباشر،بل تحمل دلالات سياسية واقتصادية عميقة، وتكشف عن شبكة معقدة من المصالح المتقاطعة بين الدول، الشركات، والقوى غير الحكومية. 

يمكن القول أن المستفيدون المحتملون من أستهداف الحقل الغازي هم القوى المهاجمة أو المنفذة والتي تسعى لتحقيق مكاسب سياسية عبر إثبات قدرتها على ضرب أهداف استراتيجية، وأستخدام الحدث كورقة ضغط في المفاوضات أو كوسيلة لإعادة ترتيب ميزان القوى في البلاد، وربما يصل الامر الى المنافسون في سوق الطاقة العالمي، ما يعني أن أي اضطراب في إنتاج كورمو يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز، وكذلك الدول أو الشركات المنافسة تستفيد من زيادة الطلب على منتجاتها لتعويض النقص،والفاعلون السياسيون المعارضون داخليًا، والذين يستغلون الحدث لتقويض شرعية الحكومة أو التشكيك في قدرتها على حماية الموارد الوطنية.

أما الخاسر الاكبر من هذا الاستهداف هي الدولةالمالكة للحقل

والتي بالتاكيد ستتكبد خسائر اقتصادية نتيجة توقف الإنتاج أو تراجع الاستثمارات الأجنبية، وخسائر سياسية مرتبطة بصورة الدولة كبيئة غير آمنة للاستثمار،والمستهلكون العالميون للطاقة، أذ أن ارتفاع الأسعار ينعكس على الاقتصادات المستوردة، ويزيد من أعباء المواطنين،ما يخلق حالة من عدم اليقين في الأسواق العالمية،ما يؤثر سلباً على الاستقرار الإقليمي المحيط بالعراق، بالاضافة الى أن الهجوم على حقل الغاز يفتح الباب أمام تصعيد أمني وتدخلات خارجية في البلاد،ويزيد من احتمالات نشوء صراعات جديدة أو تعميق القائم منها.

أما عن الأبعاد الجيوسياسية لهذا الاستهداف فيمكن القول أن التنافس الدولي على الطاقة من قبل القوى الكبرى والتي تراقب مثل هذه الأحداث عن كثب، لأنها تؤثر على توازنات السوق العالمية، وتؤثر سلباً على طبيعة التحالفات الإقليمية في المنطقة، ما يطرح العديد من التساؤلات عن هذا الاستهداف وقدرة هذه التحالفات على حماية البنى التحتية الحيوية، ما قد يدفع هذا الحدث الخطير بعض الدول إلى البحث عن بدائل للطاقة أو تعزيز أمنها الداخلي.

الربح السياسي الآني للقوى المهاجمة غالبًا ما يقابله خسارة اقتصادية وأمنية طويلة الأمد، فهذه الخسائر لا تقتصر على الدولة المستهدفة، بل تمتد لتشمل النظام الدولي بأكمله عبر اضطراب الأسواق،إذ لا يوجد طرف يخرج منتصرًا بالكامل بل الجميع يدفع ثمنًا بدرجات متفاوتة،ما يجعل الاستهداف أداة ضغط أكثر منه وسيلة لتحقيق مكاسب مستدامة.

إن استهداف حقل كورمو يوضح أن معادلة "من يربح ومن يخسر" في الصراعات المعاصرة معقدة للغاية، فبينما قد تحقق بعض الأطراف مكاسب سياسية أو اقتصادية قصيرة المدى، فإن الخسائر طويلة الأمد تطال الجميع، من الدولة المستهدفة إلى المستهلك العالمي،مرورًا بالاستقرار الإقليمي والدولي ومن هنا يصبح مثل هذا الحدث مؤشرًا على هشاشة النظام الطاقوي العالمي، وعلى ضرورة إعادة التفكير في آليات حماية البنى التحتية الحيوية ضمن إطار تعاون دولي أوسع.