"كوردستان فاونديشن" تترجم رؤية البناء والانتماء على أرض جمجمال

"كوردستان فاونديشن" تترجم رؤية البناء والانتماء على أرض جمجمال
"كوردستان فاونديشن" تترجم رؤية البناء والانتماء على أرض جمجمال

في ظل الظروف الجوية القاسية التي شهدها إقليم كوردستان مؤخراً، والتي تسببت في هطول أمطار غزيرة أدت إلى تشكل سيول جارفة في قضاء جمجمال والمناطق المحيطة بها، برزت "مؤسسة كوردستان" كواحدة من أوائل الجهات المستجيبة لهذه الكارثة الطبيعية. بتوجيه مباشر من مؤسسها، آرين مسرور بارزاني، تحركت فرق المؤسسة فوراً من الشعارات إلى التطبيق العملي على أرض الواقع.

هنا، حضرت "كوردستان فاونديشن". وجاءت قوافلها، لا لتقدم السلال الغذائية فحسب، بل لتقدم رسالةً إنسانية، شباباً بعمر الورد، خاضوا في الوحلِ حتى الرُّكب، لا يأبهون ببرد، دخلوا المدارس، فغسلوا جدرانها، ليعيدوا إليها رنين الجرس وضحكات الصغار.

بمجرد وصول أنباء السيول، أعلنت "كوردستان فاونديشن" حالة الاستنفار القصوى. لم تنتظر المؤسسة انحسار المياه، بل أرسلت فرق التقييم الميداني لتحديد المناطق الأكثر تضرراً واحتياجاً. تميزت الاستجابة بالسرعة والشمولية، حيث وصلت القوافل المحملة بالمعدات والمساعدات إلى الأحياء المنكوبة في جمجمال في وقت قياسي.

 

"فزعة" المتطوعين عبر شبكة (VolunteerKRD)

كان العنصر البشري هو الأبرز في هذه الحملة. استنفرت المؤسسة شبكتها التطوعية الضخمة VolunteerKRD، حيث هبّ مئات الشباب والشابات من مختلف مناطق كوردستان للتوجه إلى جمجمال.

تنظيف المنازل: قام المتطوعون بالدخول إلى المنازل التي غمرتها المياه والأوحال، وساعدوا العائلات في إخراج الأثاث المتضرر، وتنظيف الأرضيات والجدران من الطين الكثيف، مما مكن العديد من العائلات من العودة لمنازلهم بسرعة.

إزالة الانقاض: عملت الفرق يداً بيد مع الجهات الخدمية الحكومية لإزالة الحجارة ومخلفات السيول من الشوارع الرئيسية والأزقة الضيقة لتسهيل حركة المرور ووصول المساعدات.

أولت المؤسسة اهتماماً خاصاً للمؤسسات التعليمية لضمان عدم انقطاع الطلاب عن دراستهم. ركزت فرق العمل بشكل مكثف على تنظيف المدارس التي غمرتها السيول في جمجمال، حيث قاموا بـ:

إصلاح الأضرار البسيطة وتوفير بيئة نظيفة وآمنة لعودة الطلاب والملاكات التدريسية فور تحسن الأحوال الجوية.

 

إدراكاً منها لحجم الخسائر المادية التي تكبدتها العائلات، سيرت المؤسسة قوافل إغاثية ضخمة تضمنت:

السلات الغذائية: توزيع آلاف السلات الغذائية المتكاملة على العائلات المتضررة لتأمين قوت يومهم في ظل تعطل الأسواق وصعوبة التنقل.

المستلزمات الشتوية: نظراً لبرودة الطقس، وفرت المؤسسة الأغطية (البطانيات) والمدافئ والوقود للعائلات التي فقدت أثاثها ومستلزمات التدفئة جراء المياه، لضمان حمايتهم من برد الشتاء القارس.

تجاوز نشاط مؤسسة كوردستان في جمجمال البعد الإغاثي ليحمل رسالة وطنية عميقة. فجمجمال، التي تُعرف بمدينة الشهداء والتضحيات، حظيت باهتمام خاص يعكس فلسفة المؤسسة في أن "كوردستان جسد واحد". وجود متطوعين من أربيل ودهوك ومناطق أخرى يعملون بجد في شوارع جمجمال عزز من قيم الانتماء والتلاحم المجتمعي التي ترفعها المؤسسة شعاراً لها (بناء، انتماء، تطور).

تُعد "مؤسسة كوردستان" (Kurdistan Foundation) واحدة من أحدث وأبرز المنظمات غير الحكومية وغير الربحية في إقليم كوردستان العراق. تأسست المؤسسة بمبادرة ورؤية من آرين مسرور بارزاني، وتم إطلاقها رسمياً في ديسمبر 2024 في العاصمة أربيل، لتكون مظلة جامعة لعدد من المبادرات الحيوية التي تهدف إلى تطوير المجتمع وتمكين الشباب.

تتخذ المؤسسة من شعار "بناء، انتماء، وتطور" (Building, Belonging, Becoming) ركيزة لعملها، وتسعى بشكل أساسي إلى الاستثمار في الطاقات البشرية، وتحديداً فئة الشباب، من خلال تزويدهم بالمهارات اللازمة لسوق العمل، وتعزيز الروح الوطنية، والحفاظ على الثقافة الكوردية، بالتوازي مع الانفتاح على العالم ومواكبة التطورات العالمية مثل التغير المناخي والتكنولوجيا.

 

تعمل مؤسسة كوردستان كنقطة التقاء لعدة منصات رقمية وميدانية كانت تعمل سابقاً بشكل منفصل أو تم استحداثها لخدمة أهداف المؤسسة، ومن أبرزها:

JobsKRD (وظائف كوردستان):

منصة تهدف إلى جسر الهوة بين الباحثين عن عمل والقطاع الخاص. تعمل على توفير فرص عمل حقيقية للشباب، وقد نجحت في عامها الأول (2023-2024) في توفير آلاف الفرص الوظيفية وتدريب المستفيدين لتأهيلهم لسوق العمل.

 

VolunteerKRD (تطوع كوردستان):

أكبر شبكة للتطوع في إقليم كوردستان، تهدف إلى تعزيز ثقافة العمل التطوعي بين الشباب، وتضم المنصة عشرات الآلاف من المتطوعين المسجلين الذين يشاركون في فعاليات متنوعة، من الإغاثة الإنسانية إلى الأنشطة الثقافية والبيئية.

 

ClimateKRD (مناخ كوردستان):

مبادرة تركز على التوعية البيئية ومواجهة آثار التغير المناخي، حيث تسعى المؤسسة من خلال هذا المشروع إلى تشجيع الزراعة، وحملات التنظيف، وتبنّي ممارسات مستدامة للحفاظ على طبيعة كوردستان.

 

EmpowerKRD (تمكين كوردستان):

تركز على بناء القدرات وتنمية المهارات من خلال ورش عمل ودورات تدريبية تستهدف الطلاب والخريجين لتعزيز فرصهم في النجاح المهني والشخصي.

 

Youth Hub:

مساحة مخصصة للشباب للابتكار والتعاون وتبادل الأفكار، مما يخلق بيئة حاضنة للمشاريع الريادية والإبداعية.

لا يقتصر دور المؤسسة على التنمية البشرية فحسب، بل تلعب دوراً محورياً في الاستجابة للأزمات. برز دورها بشكل لافت خلال الكوارث الطبيعية، مثل فيضانات "جمجمال" (كما حدث في شتاء 2025)، حيث سارعت فرق المؤسسة ومتطوعوها لتقديم الإغاثة العاجلة، وتنظيف المدارس والمنازل المتضررة، وتوزيع المساعدات الغذائية واللوجستية على مئات العائلات، مما يعكس مرونة المؤسسة وقدرتها على التحرك السريع في أوقات الأزمات.

منذ انطلاقها، استطاعت " كوردستان فاونديشن" أن تخلق حراكاً إيجابياً في المجتمع الكوردي، من خلال توحيد الجهود تحت مظلة واحدة، تمكنت المؤسسة من تعظيم الأثر الاجتماعي، سواء عبر تقليل معدلات البطالة عبر "JobsKRD"، أو تعزيز الانتماء الوطني عبر الأنشطة التطوعية.

تمثل "مؤسسة كوردستان فاونديشن" نموذجاً حديثاً للمنظمات التنموية التي يقع على عاتقها بناء الجسور بين التراث والحداثة. بقيادة شابة ورؤية طموحة، تسير المؤسسة بخطوات ثابتة نحو خلق مجتمع أكثر استدامة ومرونة، حيث يكون للشباب الدور الأكبر في صياغة مستقبل الإقليم.

أثبتت كوردستان فاونديشن من خلال استجابتها لسيول جمجمال أنها ليست مجرد مؤسسة تطلق المبادرات الرقمية، بل هي قوة ميدانية فاعلة تمتلك المرونة والقدرة اللوجستية لإدارة الأزمات. إن ما قدمته المؤسسة في جمجمال لم يكن مجرد مساعدات مادية، بل كان إعادة للأمل، وتأكيداً للشباب والعوائل هناك بأنهم ليسوا وحدهم في مواجهة الكوارث.